أخطر مكان في العالم

TT

لو سألت إنسانا: ما أأمن مكان في العالم؟! لقال لك إنه البيت، ولو أنك زدت عليه وسألته: ما أأمن مكان في البيت؟! لقال لك: إنه (السرير).

وكلا الجوابين على خطأ، فأكثر الموتى من بني البشر يموتون في أسرّتهم ليلا، وأكثر الأماكن خطرا وحوادث في العالم هو المنزل.

وخلال هذه الدقائق التي أكتب فيها هذا المقال، هناك ألوف مؤلفة من ساكني المنازل في مدن وقرى العالم، إما يموتون أو يجرحون أو يصعقون أو يتسممون أو يحترقون، أو تنقفل على أصابعهم الأبواب، أو يتزحلقون بالصابون في الحمامات، أو يتدحرجون من على السلالم.

ولو أننا أجرينا إحصائية عن ذلك في أنحاء العالم لوجدنا المصابين من دون مبالغة بمئات الملايين سنويا، هل تصدقون أن ضحايا المنازل أكثر من ضحايا الحروب؟! فخذوا حذركم يا رعاكم الله.

ما يحزنني أن الضحايا ليسوا مقتصرين فقط على الكبار من الرجال والنساء، ولو كان ذلك (لهانت)، ولكن هناك أيضا ضحايا من الأطفال جراء إهمال أهاليهم، إما بشربهم لبعض الأدوية، أو ببلعهم لبعض العملات المعدنية أو المفاتيح أو ما شابه ذلك.

المنازل ممتلئة بالمواقد الكهربائية والغازية، وخلاطات الأطعمة، وفتاحات العلب، والشوايات والدفايات والمراوح والسكاكين.

وأسخف النصائح نصيحة من يقول لك: افعل هذا بنفسك، أو أسخف منها الذي يسمع كلامه ويفعلها، وهذا هو ما قدمه لي أحدهم من نصيحة، وهذا هو ما فعلته عندما أردت أن أكون سباكا وكهربائيا في نفس الوقت دون أن أتعلم أو آخذ على الأقل دروسا مبدئية في تلك الشغلات، فزدت الأشياء التي أريد أن أصلحها خرابا، وبعدها آمنت بالمثل القائل: أعط الخباز خبزه حتى لو أكل نصفه، هذا إذا كنت جاهلا لا تريد، أو صعب عليك أن تتعلم لأن مخك (مصدّي) كحالاتي.

سأضرب لكم مثلا واحدا حصل لي، ولا أستبعد أن بعض القراء قد مروا بهذه التجربة المؤلمة والغبية في نفس الوقت، ولا أخجل من ذكرها فقد يكون فيها فائدة ودرس (للغشم المستعجلين) على الدوام.

ففي أحد الأيام، دخلت تحت (الدش) وانهمر الماء الفاتر على رأسي وجسمي، وقفلت الماء رغبة مني في عدم الإسراف، وسعدت بالصابون والشامبو وأنا أدندن ببعض مقاطع الأغاني، الفرايحية كعادتي، وبما أنني لا أستطيع أن أفتح عيني، أخطأت في مفتاح الماء البارد، وإذا بيدي تقع على مفتاح الماء الساخن، الذي ما إن أدرته حتى سلخ جلدي من شدة غليانه، ومن هول المفاجآت صرخت وقفزت وتزحلقت ووقعت من طولي على أرضية الحمام، والحمد لله أن رأسي كان سليما، غير أن كتفي وكاحلي أصيبا برضات عنيفة، دعتني إلى أن أراجع المستشفى وأصورهما بالأشعة، التي أثبتت أنهما سليمان من الكسور، وأعطوني بعض المراهم، ولفوا كاحلي لمدة أسبوع.

والآن، كلما عدت إلى منزلي ودخلته بقدمي اليمنى أتمتم قائلا: الله يستر.

وكلما تمددت على سريري طالبا للنوم، أول ما يخطر على بالي أن أتوجه للقبلة ثم أتشهد، قبل أن أغمض أجفاني.

[email protected]