الصياد أميركي والصنارة روسية.. فمن هو الطعم؟

TT

المستنقع السوري الذي يعيش حالة من المد والجزر بين التحول إلى حرب طائفية أو مواجهة إقليمية مفتوحة على أكثر من سيناريو واحتمال، يشهد في هذه الآونة محاولة أميركية روسية ببعد دولي وغطاء أممي يقال إنها لإخراج السوريين من بحيرة الدم والدموع التي اختلطت وتشابكت حوابلها بنوابلها، ولم نعد نعرف الرأس من العقب.

كواليس واشنطن وموسكو تقول إن طبخة تُسوّى على نار هادئة تقدم باسم الأخضر الإبراهيمي المبعوث الدولي، وتدعمها مصر، التي ستستضيف رموز المعارضة السورية، الأسبوع المقبل، ويشكل معاذ الخطيب رئيس الائتلاف السوري المعارض أحد أهم عناصرها، وتساندها طهران التي ستشكل مركز الثقل في إقناع بشار الأسد بقبول هذه التسوية. طباخون كثر وأدوات الطبخ ومستلزماته باتت جاهزة؛ فكيف ستتعامل عواصم مثل أنقرة والرياض والدوحة مع مشروع تسوية من هذا النوع لا يعرف أحد تفاصيله، لكنه يُعرف بأنه معرض في كل لحظة للتحول إلى انتكاسة قوية للمعارضة السورية وجهودها المبذولة منذ سنوات لإنجاز عملية التغيير في سوريا.

دمشق نجحت حتى الساعة في لعب ورقة الوقت والفرص، واللجوء إلى المناورة والخداع واستخدام العنف عند اللزوم، وهي صامدة لا تريد الاستسلام؛ فهل ينجح الصياد الأميركي والصنارة الروسية والطعم الإيراني أو المصري مع الأسف في جلب بشار نحو المصيدة، أم أنه هو الذي سيلتف على الجميع و«يتغدى بهم قبل أن يتعشوا به»؟!

التسوية كما يبدو ستتم في موسكو، لكن الغطاء السياسي سيكون أميركيا مدعوما من قبل مجلس الأمن الدولي. ومن حق واشنطن أن تكون براغماتية إلى أبعد الحدود. رأس السلطة السياسية في البيت الأبيض من حقه أن يقول عكس ما قاله قبل عام مثلا في خطابه إلى الشعب الأميركي عن حال الأمة، حيث كان يردد أنه لا بديل عن رحيل بشار الأسد؛ فبات اليوم يدعم مشروع الحوار السياسي الذي تقوده موسكو بالتنسيق مع طهران. من حقنا أن نسأل أوباما وإدارته طبعا عن أسباب دعم المشروع السياسي في سوريا، وهو ما لم يفعله حتى الساعة في الساحة العراقية أو في السودان أو في الصومال أو أفغانستان أو في مالي مثلا!

لا، بل إن الإدارة الأميركية التي كانت تهدد وتتوعد نتنياهو الذي يعرقل ويقطع الطريق على كل مشاريع الحلول في الصراع العربي - الإسرائيلي تعد لاختيار تل أبيب كأول عاصمة يزروها الرئيس الأميركي في حقبة حكمه الثانية. ربما هو هناك ليحاسب إسرائيل على غارتها الأخيرة على قلب العاصمة السورية، وتحديها للقرارات الأوروبية والغربية المنددة بسياسات ومشاريع المزيد من المستوطنات والتهويد والزحف باتجاه تقليص رقعة المسجد الأقصى في القدس!

موسكو حليف دمشق الأول في الحرب على الشعب السوري المنتفض يطلب إليها أن تكون حيادية في استضافة رموز المعارضة وأعوان النظام في دمشق ليتحاوروا بغطاء أميركي، ثم يتم تقديم المشروع (المستحيل ولادته في مثل هذه الظروف وتحت هذه الشروط) وكأنه مشروع الحل الذي يطرحه الأخضر الإبراهيمي مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية لحل الأزمة السورية!

لماذا علينا أن نثق بما تقوله موسكو مثلا؟ هل لأنه لا خيار آخر أمامنا، أم لأننا حقا اقتنعنا بأن الكرملين سيتخلى عن الأسد، ويلزمه بالانسحاب، على الرغم من أنه لم يوقف للحظة واحدة جسره الجوي والبحري لدعم النظام في إطار عقود تسلح لا يعرف أحد موعد نهايتها؟

ولماذا نقبل بأن تجمع موسكو المتحاربين حول طاولة حوار ستفرض فرضا على القيادتين الإيرانية والعراقية الحليفين الآخرين لدمشق؟ وما الذي سيجنيانه هما من تنازل بهذا الشكل سوى طمأنة إسرائيل بأن لا ضرورة للحرب، فالتسوية السورية تعني أيضا تسوية إسرائيلية - إيرانية وإسرائيلية - عراقية لحل الكثير من مشكلاتهم الإقليمية العالقة؟

المجلس الوطني السوري حذر من خدعة بسيطة من هذا النوع، وقال إنها لن تمر. لكن قيادات الجيش السوري الحر هي التي أعلنت أنها لن تسمح لأي كان بالقوطبة والالتفاف على انتصاراتها الميدانية، وتجاهل الأبرياء والضحايا الذين يدفعون حياتهم ثمنا لإنجاح حراك شعبي يبحث عن الحرية والكرامة في بلده.

الشروط المسبقة لمعاذ الخطيب ليست مناورة سياسية، والجميع في الائتلاف المعارض يتمسك بخيار لا بديل عنه؛ رحيل النظام، مهما كان الثمن، لكننا لا نعرف كيف سيسمح النظام لواشنطن وموسكو بأن تدعما مشروع سحب الكرسي من تحت قدميه وحبل المشنقة يضيق حول الرقبة؟

مجلس شيوخ سوري يشكل بمراعاة للتوزيع العرقي والعشائري والمذهبي في سوريا الثائرة منذ عامين ويقود المرحلة الانتقالية في البلاد، لكننا لا نعرف موقع ودور ومصير القيادة السياسية الحالية التي ما زالت تصدر قرارات التدمير والمحو على كل الجبهات.

مسودة اتفاقية قد تصدر عن موسكو، لكنها لن تحمل مادة لوقف إطلاق النار وتلزم الثوار السوريين بها، إذا لم تكن تشمل ضمانات سياسية واضحة ومحددة حول مسار العملية السياسية الجديدة في سوريا ومستقبل النظام ومصيره. عكس ذلك يعني رمي الكرة في ملعب المعارضة السياسية والعسكرية في محاولة لضربها وتفتيتها وإنهائها، وهذا ما تريده موسكو لإنقاذ الحليف في دمشق وما قد تتغاضى عنه واشنطن لصالح التخلص من القوة التي ترى فيها حركات إسلامية متشددة متطرفة تشكل خطرا على سياساتها ومصالحها في المنطقة.

الجميع عليه أن يكون مستعدا لدفع الثمن في حال ارتكاب الأخطاء، ودروس تطورات مراحل ما بعد الثورة المصرية والتونسية والليبية تعكس حجم الغضبة الأميركية الروسية التي فشلت في تحقيق غاياتها حتى الساعة في تلك البلدان.