الصمود الوحشي

TT

تأمل من حولك قصة الحياة منذ الخلق: رجلان، واحد يبني، وواحد ينتقد كل بناء. واحد يحمل الحجارة على كتفيه، وواحد يقول إنه كان في إمكان الحامل أن يرفع أكثر. واحد يهب لمساعدة الجرحى، وواحد يسخر من تعرضهم للإصابة. واحد يشكر خالقه على نعمة القمر وواحد يتأفف لأنه ليس دائم الظهور. هذا الفرد الخامل تحول مع السنين إلى دول. كوريا الشمالية تجوع، وكلما احتاجت إلى مساعدة أطلقت صاروخا على جوار وكر من النمل العامل وقفير من النحل المذهل يدعى اليابان. كوريا الشمالية تلقي الخطب في الحدائق العامة عن أمجاد كيم إيل سونغ، وكوريا الجنوبية تنافس «أبل»، أضخم شركة في تاريخ العالم. منذ نصف قرن وكوبا تشتم الولايات المتحدة وترفض الحوار معها وترفع - صامدة وحيدة - راية المنجل والمطرقة. ولكنها لا تزال تتحرك بسيارات أميركية عمرها ستون عاما، أو أكثر. لقد انتصر كاسترو على أميركا وهزم نفسه. وطالما كانت خطبه تدوم 6 ساعات. وقد حاولت مرة أن أقرأ نص إحداها لأرى ماذا يمكن أن يقول إنسان خلال ست ساعات. وفر المحاولة على نفسك!

حارب كاسترو تاريخا سيئا للأميركيين في أميركا اللاتينية. لكنه لم يعرف كيف يبني تاريخا أفضل. وحارب كيم إيل سونغ الاستعمار الأميركي بعد الحرب العالمية الثانية لكنه ترك بلاده حيث كان عام 1955، تعيش متخلفة تحت مكبرات الصوت.

أعاقت روسيا السوفياتية وروسيا الاتحادية حركة الغرب في أمور كثيرة. هزمت أميركا في كوبا. وتهزم أوروبا في سوريا. وتسجل اللاءات في مجلس الأمن مثل الروسي الرافض في أفلام جيمس بوند. ولا ترسل مستشفى إلى حلب. ولا تبذل محاولة واحدة لإقناع النظام بأن الشعب ليس عصابات إرهابية. وعندما قررت أخيرا القيام بوساطة، كان لافروف قد أدى التحية لجثامين 70 ألف سوري على الأقل. روسيا تاريخ من اللاءات. أكداس وأكياس من النقد وأكوام وجبال من الفشل السياسي والاقتصادي والزراعي والصناعي والآيديولوجي. لم تمسخ الاشتراكية في مكان كما مسخت في موسكو. تخلى الكرملين عن الشيوعية ولم يحدث الكثير. وأبقت الصين على الشيوعية الاسمية وغيرت وجه العالم. الصين تجربة مذهلة عمرها نحو ثلاثة عقود، وروسيا تتداول نفسها ما بين بوتين وبوتين مع ميدفيديف بينهما.

هناك أفراد وهناك دول لا يحملون إلى الناس إلا البؤس والعناد السخيف والصمود والمرض. رجال الأبواب المغلقة والآذان الصماء والعمى الوحشي عن بؤس الآخرين وعذابات الناس. وكل فترة تطلق كوريا الشمالية صاروخا. وكل مدة يموت مليون مخلوق من الجوع، وهم يهتفون للحفيد السعيد!