ذكريات سخيفة

TT

من أجمل الولايات التي أزورها عندما أذهب إلى أميركا، ولاية (فرجينيا)، وفي إحدى السنوات عندما كنت في مدينة (ريتشموند) التي تعتبر بمثابة عاصمة لتلك الولاية، لفت نظري هناك (مول) كبير، يقدم خدمة مجانية لزبائنه ليضمن ترددهم عليه وبالتالي شراءهم أكثر.

والواقع أن تلك الخدمة كانت مبتكرة، فهناك مجموعة من الحمامات الأنيقة للاستحمام بالمجان، سواء أردت أن تستحم بالدش أو في البانيو أو (بالجاكوزي) أو حتى بالبخار، فكلها متوافرة لك وتحت طلبك، بما فيها الصابون والشامبو والليفة والمناشف و(السيشوار) والعطور، وفوق ذلك كله من الممكن أن تأخذ (مساجا) مريحا إذا أردت أن تتمدد تحت رحمة أصابع فتيات حسناوات مختارات على (الفرازة).

فأعجبتني جدا تلك الفكرة والخدمة، فأصبحت كلما أردت أن آخذ حماما أذهب إلى هناك، وأستمتع بالماء الساخن والمساج لمدة ساعة كاملة ثم أخرج دون أن أشتري شيئا.

وبعد المرة الرابعة أو الخامسة، تصدى لي أحد الموظفين وأخذني على جنب، وطلب مني بكل أدب عدم تكرار المجيء للمول مرة أخرى، وإلا فسوف يتخذون ضدي إجراء ليس بصالحي.

وعرفت أخيرا أن هناك كاميرات تصوير ترصد الزبائن وترصد مشترياتهم، ولاحظوا أنني دائما أدخل وأتجه للحمامات رأسا ثم أخرج دون أن أخسر دولارا واحدا.

وبعدها، تأكد لي شرعا أن (جيناتي) عربية أصيلة دون أن يداخلها أي شك.

* * *

كنت مسافرا في الطريق الطويل من جدة إلى جازان (850) كيلومترا، ولاحظت أن عداد البنزين يشير إلى أن (التانك) يكاد يكون فارغا، فلفت نظري محطة وقود جديدة، فتوقفت عندها وطلبت من العامل أن يملأ الخزان على الآخر، فأقبل ثلاثة من العمال النشيطين، أحدهم أخذ يمسح الزجاج الأمامي، والثاني يفحص الكَفَرات، والثالث فتح (الكبوت) ليعاين الماء، وبعد أن انتهوا أخذوا يضربون لي تعظيم سلام مع ابتسامات مرحبة، على أساس أن كل شيء انتهى وتمام التمام.

فانطلقت بسيارتي وبعد أن قطعت 15 كيلومترا تقريبا، انتبهت إلى أنني لم أدفع للمحطة الحساب فعز علي أن أكون سارقا، ولكي لا يؤنبني ضميري قفلت راجعا، وقبل أن أصل للمحطة بثلاثة كيلومترات تقريبا توقفت السيارة، وتفاجأت أن العمال من شدة حماستهم الخدمية لم يضعوا في خزانها ولا قطرة بنزين واحدة، واضطررت أن (أدقها كعابي) إلى أن وصلت إليهم، فأخذوا يعتذرون لي قائلين إننا حاولنا أن نلفت نظرك ونناديك غير أنك لم تسمعنا، وذهب أحدهم معي يحمل (غالونا) من البنزين ليفرغه في الخزان، ورجعت للمحطة دون أن أركبه معي عقابا له، وملأت الخزان ودفعت الحساب دون أن أعطيهم أي (بقشيش).

فعلا، ليس هناك أسوأ من الحماسة الزائدة.

* * *

هل صحيح أن بعض الناس يسرع إلى تصديق كل شيء عنك، ما دام الذي يسمعه هو أسوأ شيء؟!

أعتقد أنه صحيح.

[email protected]