حارس مرمى الجزائر

TT

طرحت مع عدد من الأصدقاء الجزائريين «نأي» الجزائر عن مواطنها ألبير كامو، الذي ولد في الزمن الاستعماري (1913) وانضم مبكرا إلى حركة المساواة بين الجزائري والفرنسي. لم أجد حماسا له، مع أن الفكرة مغرية: أن تتبنى الجزائر المولود الغريب، كما تبنت فرنسا أبولينير وايونيسكو وأمين معلوف.

لم يقف كامو مرة - بقدر ما أعرف - ضد الحرية الوطنية، وكان ينتمي إلى الطبقة الكادحة في أفقر فروعها.. فقد قتل والده، الفلاح البسيط، وهو طفل، ونشأ في ظل أم صماء تعمل في تنظيف المنازل والمستشفيات: «لم يكن في بيتنا حوار، كان هناك فقط الحب».

كاد كامو يصبح لاعب كرة محترفا؛ فقد كان حارس المرمى في فريق جامعة الجزائر، التي تلقى فيها علومه في الفلسفة، غير أنه أصيب بالسل (1930) واضطر إلى ترك الرياضة التي كتب أنها رسمت في قواعدها أخلاقه طوال الحياة.

وسم دائما بكونه فيلسوفا وجوديا ونفى دائما أي علاقة بها. وجمعت الناس دائما بينه وبين جان بول سارتر، وكان دائما على نقيض فكري، وأحيانا شخصي معه. فقد رفض سارتر نقده للشيوعية في «الإنسان المتمرد»، وبقي هو يتصاعد في اليسار وصولا إلى «الماوية» في سنواته الأخيرة، محملا جميع رفاقه عقدة ذنب دائما. وعندما التقاه إدوارد سعيد في باريس (كما كتب عام 1982) أذهله أن الرجل قد هرم كثيرا، وبدا يعتمد على أحد مساعديه في كل شيء.

هكذا حدث أيضا للفيلسوف البريطاني برتراند راسل الذي قيل إن مساعده الأميركي كان يملي عليه ما يجب أن يفعل. وقد لمس ذلك الزميل العزيز سليم نصار عندما أجرى مقابلة مع راسل خلال زيارة إلى لندن في الستينات.. وهي إحدى أبرز المقابلات التي يعدها للنشر القريب، في عمل صحافي لامع.

كان كامو يقول إن «الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يرفض أن يكون من هو».. دائما يحاول أن يكون شيئا آخر. ومبكرا رفض الديكتاتورية والنظام الشمولي، وفي أوائل الخمسينات كان يعمل في اليونيسكو فاستقال فور قبول عضوية إسبانيا، لأنها كانت تحت حكم الجنرال فرانكو..

رفض السوفيات والأميركيين معا، وأيد قضايا التحرر والاستقلال في كل مكان، وكان يقول للبائسين: في عز الشتاء شعرت أن في داخلي صيفا لا يقهر. نقلت أهم أعمال كامو إلى العربية الدكتورة عائدة مطرجي إدريس، زوجة الدكتور سهيل إدريس، الذي نقل أعمال سارتر. ولم تسامحني الدكتورة - ولا سامحت نفسي - على ملاحظات أدليت بها في هذه الزاوية، حول بعض التعابير في ترجمتها لكامو.

وذات مرة التقيت بها والدكتور إدريس في بهو فندق الـ«شيراتون» في دمشق، فاندفعت مصافحا، ووقف صاحب «الآداب» مرحبا، بينما تظاهرت هي بأن أحدا لم يأت، فقال لها الدكتور برقة واحترام: «عايدة، ألم تعرفي فلانا؟»، فلم تجب، فمضيت لاعنا الملاحظات التي تعكِّر الكبار.