هل تسمح لي الجريدة بنشر الصورة؟!

TT

أنتم تعرفونني، فأنا لا أحكي عن شيء إلا إذا كان حقيقيا أو خياليا أو مفبركا، لهذا أرجوكم اقرأوني كما أنا من دون تفكير أو تدقيق أو (حلفان)، فالبساط بيني وبينكم أحمدي، وأشكر الله أن الكلام ليس عليه (جمرك)، ولو كان كذلك (فيا ويلي ويا سواد ليلي)، لأنهم بلا شك سوف يحكمون عليّ إما أن (أكع)، أو أن يحبسوني لمدة شهر، أو أن يعزروني ويجلدوني بالسوط مائة جلدة، ولو أنهم خيروني بين هذه العقوبات الثلاث، فسوف أختار من دون تردد الثالثة، فجلدي ولله الحمد جلد تمساح وهو على فكرة أسمك من جلد الخرتيت.

وإذا سمحتم لي أن أدخل بالموضوع فهو كالتالي:

ففي الليلة البارحة كنت أشاهد فيلما سينمائيا تقول مقدمته إنه حقيقي، مع أنه لم يدخل عقلي، ولكن (ما علينا)، وفحواه أن هناك عصابة أرجنتينية تهرب الأبقار، وشحنت مئات منها في طائرة، وخلال طيرانها أصابتها عاصفة رعدية، وأخذت تتأرجح وانفتح من شدة الاهتزازات بابها، وتساقطت الأبقار واحدة تلو الأخرى، وإذا بإحداها تسقط على قارب فيه رجل مع زوجته، ومن سوء حظ الزوجة أن البقرة وقعت عليها، فغرقت وماتت هي والبقرة معها، ولا أستبعد أن الزوج قال: جات منك يا جامع.

لا أريد أن أستطرد معكم بتفاصيل ونهايات ذلك الفيلم، فقد لا تهمكم نهايته، ولكنه عاد بذاكرتي إلى موقف كنت شاهدا عليه، وكنت من أبطاله، وذلك عندما كنت مستلقيا أتشمس في ملكوت الرحمن على شاطئ (ترمولينوس) بجنوب إسبانيا، وإذا بي ألمح طائرة صغيرة تحلق على ارتفاع منخفض تستعرض فيه سلعة تجارية أمام جمهور السابحين، وهذه طريقة مبتكرة ومعتادة، ولكنني تفاجأت بها بعد أن دارت ولفت عدة مرات، وإذا بابها ينفتح ويسقط منها (حمار) مربوط بـ(باراشوت)، ومعلق على ظهره اسم السلعة التجارية.

فقفزت من طولي مع من قفزن بجانبي من الحسناوات، وكل منا عيناه شاخصتان نحو الحمار الذي أخذ يهوي وأرجله الأربع تتصافق، ونهيقه يصم الآذان، وسقط المسكين في البحر غير بعيد عن الشاطئ، فهب الكثير من أصحاب الضمائر لإنقاذه وكنت من أولهم، والحمد لله أننا انتشلناه قبل أن يغرق، وسحبناه إلى الرمل واعتقدنا أنه ميت لا محالة.

والحمد لله اتضح لنا أنه مغمى عليه لا أكثر ولا أقل من شدة الفجيعة، وأخذ البعض ممن لديهم خبرة في إسعاف الغرقى، يعملون له تنفسا اصطناعيا، وما راعني إلا رجل كبير في السن، ويبدو لي أنه إما أن يكون طبيبا بيطريا أو ما شابه ذلك، عندما فتح فم الحمار وأدخل رأسه فيه وأخذ يعطيه الشهيق والزفير ويدلك على قلبه، وما هي إلا عدة دقائق حتى تحرك الحمار ونهق وقام على أقدامه الأربع، فاجتاحت الجميع موجة من التصفيق الهستيري، وأخذنا نلتقط الصور التذكارية معه، وعندي إلى الآن صورة مبروزة معه، ما زلت أعلقها على جدار مكتبي، وكل من دخل عليّ وقبل أن يتكلم معي في الموضوع الذي جاء من أجله، يسألني عن العلاقة بيني وبين ذلك الحمار، والحمد لله أنهم كانوا متأدبين ولم يزيدوا على ذلك.

ولو أن هذه الجريدة المحترمة سمحت لي بنشرها، لنشرتها بكل فخر واعتزاز.

فليس هناك أعظم وأشرف من أن تنقذ حمارا وتتصور معه.

[email protected]