من حزب الله إلى حزب بشار

TT

بعد شهور من النفي والتكذيب والإنكار من قبل حزب الله لقيامه عسكريا بمساندة نظام بشار الأسد في حربه المدمرة ضد شعبه بسوريا، ومع ازدياد أعداد الجنازات والضحايا في قواته والتي بات من المستحيل الاستمرار في إخفائها، اضطر الحزب أن يوضح أن أفراده قتلوا «دفاعا عن النفس»، وهم يؤدون دورهم في القضاء على أعداء النظام السوري. طبعا هذه المقولة ناقصة، لأن ميليشيات حزب الله المدججة بأعتى أنواع السلاح تصول وتجول مع ألوية قوات الأسد منذ بدايات الثورة السورية، لكنها في الفترة الأخيرة تمركزت بشكل أساسي في منطقة القصير بريف حمص، وحصنت مواقعها براجمات الصواريخ «إياها» التي كانت تقول إنها موجهة إلى إسرائيل.

حزب الله، مثله مثل من سبقوه ممن تاجروا بالمقاومة ضد إسرائيل، يبدو جليا أنه بالفعل ضل الطريق إلى فلسطين، واختار أن يحرر فلسطين عن طريق سوريا والقصير، مثله مثل من قبله عندما قرر جمال عبد الناصر ذات يوم أن تحرير فلسطين يمر عبر اليمن، وكذلك صدام حسين الذي قرر أن تحرير فلسطين يمر بالكويت، وحافظ الأسد الذي حاول تحرير فلسطين عن طريق لبنان. استرجعت أيام ما كان حسن نصر الله «أيقونة» المقاومة في مواجهة قواته ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهي المسألة التي نال بسببها تأييد شريحة عريضة من العرب، وكذلك نال دعمهم. وفي مشهد لافت شاهدته بعيني، خلال تصفح أحد المصريين لإحدى الصحف، سقطت صورة حسن نصر الله من داخل الجريدة (كانت الصورة توزع كهدية مع العدد)، فما كان من صاحب محل بيع الصحف سوى إزالة الصورة من على الأرض وتقبيلها، ونهر وصرخ في الرجل. هكذا كان وضع حسن نصر الله، وبعدها انقلب الرجل وهاجم أهل بلاده في غزوته الشهيرة على بيروت والجبل، ومن بعدها الآن انقلب وأظهر وجها طائفيا أعماه عن نصرة الحق ونصرة المظلوم، ليفضل أن يدعم ونظاما سفاحا لأنه من أهله وعشيرته، وتحول نصر الله إلى مادة للسخرية وباتت صوره تمزق وتحرق.

إيران وظفت حزب الله بلسانه العربي، وحضوره في الوسط العربي، ليكون الحملة الترويجية لمشروع تصدير الثورة في المنطقة، وطبعا كل ذلك تحت شعار المقاومة ضد إسرائيل (وهو شعار جذاب بل الأكثر جاذبية، فهو مجرب وثبت قبوله والإجماع عليه بالمطلق)، لكن حزب الله (مثله مثل تنظيم القاعدة) تحول إلى مشروع امتياز (Franchise)، وبدأت فروعه في الانتشار من حزب الله السودان إلى حزب الله اليمن وطبعا حزب الله الجزيرة العربية وحزب الله البحرين وأخيرا حزب الله العراق الذي كشف بوضوح شديد عن أهدافه بلا تأويل ولا حاجة للتفسير، فهو أعلن أن هدفه هو «تحرير!» بعض دول الخليج، وأنه جهز جيشا قوامه مليون شخص لعمل ذلك الأمر، وسقط بالتالي قناع المقاومة «المؤقتة»، وظهرت الحقائق بوضوح، ولم يعد من الممكن الدفاع عن المواقف الغامضة للحزب مثلما كان يحصل سابقا، فلم يعد هناك داع وقد تكشفت الأمور بهذا الوضوح الجلي. حزب الله لم يسقط فقط، لكنه لوث كل جميل ونبيل وراق في فكرة المقاومة، وأعاد الشك والقلق والخوف لكل من سيأتي بها مستقبلا (وقد يكون ذلك الهدف من يدري؟!).

ستدرس ذات يوم قريب حالة حزب الله كمشروع تسويقي وترويجي عربي كذراع للثورة الإيرانية في قلب العالم العربي، وكيف أن الرعونة والغرور أعميا البصيرة، فأصابا المشروع في مقتل، وخسر التأييد في الشارع العربي في قلب الثورة السورية التي كانت أرضها وشعبها هما محرك تأييده وتشجيعه الأول. سيروي التاريخ المنصف العادل الموضوعي العقلاني بدقة وصرامة كيف تحول حزب الله إلى حزب بشار الأسد بشكل مؤسف، وكيف فقد الرصيد الذي بناه عبر السنين في ليالي الثورة السورية التي ستستمر في إسقاط الأقنعة وكشف المواقع تطبيقا لقول الحق عز وجل «ليميز الله الخبيث من الطيب».

[email protected]