هل يمكن للهند التخلص من عاداتها السيئة؟

TT

يرتدي آنا هازار ملابس مشابهة للتي كان يرتديها الزعيم الهندي المهاتما غاندي (قماش صوفي أبيض، نظارات مستديرة)، فضلا عن استخدامه للتكتيكات التي لجأ إليها غاندي (الاحتجاج السلمي، والإضراب عن الطعام) لمحاربة الفساد الذي يعتقد أنه يدمر أوصال الهند برمتها. ففي عامي 2011 و2012، حشد مئات الآلاف من الهنود، الذين ينتمي كثير منهم إلى الطبقة المتوسطة، لتأييد «إضرابه عن الطعام حتى الموت». وبعد إضرابه عن الطعام لمدة 12 يوما في أغسطس (آب) 2011، أجبر الحكومة الهندية المصابة بالذعر على الموافقة على سلسلة من المطالب المتعلقة بسن تشريعات لمكافحة الفساد.

كانت حملة هازار ناجحة، ويرجع ذلك جزئيا إلى عنصرين: لغته التي تحاكي أقاويل الآباء المؤسسين لشبه القارة الهندية، وحصوله بشكل مذهل على دعم وسائل الإعلام الهندية واسعة النطاق والمتنوعة. وتجدر الإشارة إلى أنه في العامين الماضيين وحدهما، أخرج صحافيون من أكثر من 100 قناة تلفزيونية ومن صحف لا تعد ولا تحصى تصدر بلغات متعددة، للنور قصة وزير الاتصالات الذي اعتُقل وسُجن، على خلفية بيعه بشكل غير شرعي تراخيص كلفت الدولة ما يصل إلى 40 مليار دولار. ليس ذلك فحسب، فهناك جنرال عسكري أفاد بأنه كان قد عرضت عليه رشوة قدرها 2.7 مليون دولار لشراء شاحنات دون المستوى المطلوب.

كذلك، عرضت نشرات إخبارية تقارير حول حصول مسؤولين على شقق كانت مخصصة لأسر المحاربين القدامى، وتوزيع رخص التعدين بطريقة غير مشروعة، وشراء الأصوات البرلمانية، بالإضافة إلى عقود البناء الملتوية، التي تم إبرامها لأجل دورة ألعاب الكومنويلث عام 2010. إن هذه التقارير ليست شيئا جديدا؛ فوفقا لأحد التقديرات، كلف الفساد الدولة الهندية أكثر من 460 مليار دولار منذ الاستقلال في عام 1947. على ما يبدو أن تلك المبالغ المالية قد نمت بشكل مضاعف بالتزامن مع نمو الاقتصاد الهندي بشكل مطرد للغاية.

بطبيعة الحال، أصبحت فضائح الفساد الكبيرة شائعة في العالم النامي (والعالم المتقدم، في هذا الشأن). ربما يكون كل من النطاق والهدوء النسبي المصاحب لمناقشة قضايا الفساد في الهند أمرا غير مسبوق. ففي روسيا، حينما نظمت الحركة المناهضة للفساد احتجاجات حاشدة في عام 2011، تم البطش بهذه الاحتجاجات عن طريق الاعتقالات والمضايقات التي تمارسها الشرطة والتهديدات والعنف. بينما في الصين يتم إبرام الصفقات التي يشوبها أوجه فساد على أعلى المستويات في الخفاء، مع إبقاء الصحافيين الفضوليين بعيدا، حتى عندما تكون هناك إدانات (كما كانت ضد رئيس الحزب الشيوعي بو شي لاي) يتم حجب المحاكمات عن طريق الترويج للشائعات والتعتيم.

ولكن، على عكس كل من الصين وروسيا، تظل الهند دولة ديمقراطية. فعلى الرغم من أن النظام السياسي الهندي معيب في أوجه كثيرة، من الصعب ذكرها بأكملها هنا، فالسلطات المركزية في كثير من الأحيان تحترم حرية التعبير والصحافة الحرة. تؤدي منظمات المجتمع المدني دورها، وهناك حرية في تكوين الجمعيات. والسؤال الآن هو كيف تؤدي المؤسسات الديمقراطية الأخرى في الهند عملها بشكل جيد. تتصدر الاحتجاجات المناهضة للفساد - أو قضايا الاغتصاب والتحرش بالنساء في الآونة الأخيرة - الأخبار التلفزيونية. ولكن هل بإمكان هذه المؤسسات إحداث تغييرات مؤسسية عميقة فيما يتعلق بتمويل الأحزاب والتنظيم وحفظ الأمن والمحاكم، وهو ما تنشده الطبقة الهندية المتوسطة الناشئة؟

وبشأن نيودلهي، لا يوجد اتفاق حول ما إذا كان يمكن التخلص من العادات السيئة التي استمرت طيلة 6 عقود. بشكل واضح، فقدت حملة هازار نوعا من الزخم في الوقت الراهن. ففي حيدر آباد، الأسبوع الماضي، لم يظهر سوى حشد صغير في أحد تجمعاته - لأن شخصيته بدأت تطغى على قضيته (وصفه كاتب أعمدة بأنه «طاغية أخلاقي» يؤدي دور البطولة «في أوبرا هزلية لمكافحة الفساد»)، وربما لأن الكثيرين بدأوا إدراك أن حله المفضل – وجود أمين مظالم قوي - غير كافٍ بالمرة.

وضع آخرون أيديهم على حجم المشكلة التي هي أوسع نطاقا بكثير من الفضائح المذكورة. يدفع الهنود رشى للحصول على شهادات ميلاد لأطفالهم وشهادات وفاة لذويهم. كذلك، يستحيل عثوره على وظائف دون تقديم رشى. وفي كتابها «في ما وراء عبارات إلى الأبد الجميلة» (Behind the Beautiful Forevers)، تصف كاثرين بو فتى من الأحياء الفقيرة اتهم زورا بارتكاب جريمة، لتنخرط أسرته بأكملها في عالم سفلي من الشرطة الفاسدة والمحامين والسياسيين.

ولكن المتفائلين على ثقة بأن شيئا ما يتغير. يشير الكاتب غورتشاران داس، في سياق حديثه عن فضيحة الاتصالات، إلى أنه «لم يحدث من قبل أن ذهب أناس رفيعو المستوى فعلا إلى السجن. وهذا هو الجديد». يشير شاشي ثارور، وزير في الحكومة، إلى أن الاحتجاجات أدت إلى سن تشريعات «تم التلكؤ في وضعها لما يقرب من 4 عقود». أثارت المظاهرات التي أعقبت واقعة الاغتصاب والقتل المروعة لطالبة هندية جامعية في حافلة بنيودلهي خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي رد فعل أسرع من قبل المشرعين، الذين تلقوا بالفعل إفادات من 80 ألف امرأة هندية، فضلا عن عشرات من التغييرات المقترحة.

يكمن السؤال التالي فيما إذا كان الناخبون غير المكترثين سيواكبون هذه التغييرات، سواء من ناحية تأييد السياسيين الشرفاء أو الاحتشاد وراء برامج الإصلاح السياسي والدستوري. إن مسألة الخيارات المقبلة للهند مهمة ليس فقط بالنسبة لها. يمكن أن تكون الهند التي تديرها حكومة رشيدة أفضل دعاية ممكنة لما يمكن أن تحققه الديمقراطية في جميع أنحاء العالم النامي.

* خدمة «واشنطن بوست»