أهديكم أغنية (أسمهان)

TT

لا أظن أن هناك مشروبين سيطرا على أمزجة البشر عبر مئات الأعوام بكل ثبات، أكثر من سيطرة (الشاي والقهوة)، باستثناء الماء طبعا، هذا إذا اعتبرناه جدلا من ضمن المشروبات.

أعيد وأزيد وأقول: ليس هناك أي مشروب استطاع أن يزيحهما عن الصدارة، لا الخمور بجميع أنواعها المغرية والمؤذية، ولا عصيرات الفواكه بجميع أنواعها اللذيذة والمغذية، كلها وعن بكرة أبيها تأتي في المرتبة (الثالثة عشرة) بالنسبة لي على الأقل.

وقبل أن أدخل في الموضوع، لا بد أن ألفت النظر إلى أنني لست بإنسان (خرمان)، بمعنى أنه لا يستهويني لا شاي ولا قهوة، فقد تمر الأيام الطويلة لا أشرب أي فنجان منهما، فمزاجي مختلف جدا وصعب جدا، ولكنني أشاهد وألاحظ تهافت القوم من حولي بشغفهم غير المحدود على تعاطيهما.

وحسب معرفتي، فإن الجلسة عند المحترفين ليست لها حلاوة حول الطاولة مع (قرقرة) الشيشة، إلا وكأس الشاي الأحمر أو الأخضر حاضر.

الشاي مصدره الأول كان في الصين ثم انتقل إلى الهند، وعندما استطاب المستعمر البريطاني مذاقه ونكهته صنعه وطوره ونشره في جميع أنحاء العالم.

وغالبا، لا يقطف أوراق الشاي في آسيا غير النساء، ويقال إن تلك الأوراق إذا قطفها رجل أو امرأة عجوز أو امرأة مريضة أو امرأة دميمة أو امرأة حائض سببت له تلك الأوراق مغصا، وبالعكس إذا قطفتها فتاة عذراء جميلة فإن الأوراق ساعتها تجلب له البهجة والحبور والسرور والرقص كذلك - والله أعلم.

أما عن القهوة، فيذكر أنها عرفت أول ما عرفت في جزيرة العرب قبل أكثر من ألف عام، عندما لاحظ أحد الرعاة أن عنزا أكلت من حبوب تلك النبتة فأصبحت مرحة وثابة، فلما جربها صاحبها غدا أكثر وثبا ومرحا منها، وبعدها تهافت عليها أبناء يعرب وجففوها وغلوها وشربوها، وكان ذلك أعظم اكتشاف واختراع في تاريخهم المجيد، وبعدها وصلت إلى تركيا العثمانية، واستطاب مذاقها الملك الفرنسي (لويس الخامس عشر) وزرعها في بيت زجاجي في قصره، واستطاع رجل يقال له (ديسيلو) أن يسرق شتلة منها، وأخذها معه عندما هاجر إلى البرازيل عام 1723. ومن هناك، وجدت البيئة الصالحة وتكاثرت، واليوم أصبحت حبوب تلك النبتة هي بالنسبة للبرازيل بترولها الذي لا ينضب، حيث إنها تستأثر بما لا يقل عن 75% من إنتاج العالم.

وفي آخر زيارة لي لأميركا، لاحظت أنه ما بين (ستاربكس) وآخر، هناك (ستاربكس) ثالث بينهما، ويقال إن كل موظف أميركي يستغرق 15 دقيقة مستقطعة من يومه لشرب القهوة - بمعنى أنه يستقطع في العام الواحد ستة عشر يوما مدفوعة الأجر بالكامل.

وأضاف أبناء الصحراء للقهوة حبة (الهيل) - أو (الحبهان)، ومن افتتانهم بذلك يقول شاعرهم المفوه: (الدله اللي ما تبهر من الهيل مثل العجوز اللي خبيث نسمها)، وترجمتها بالفصحى، أن الوعاء الذي تطبخ فيه القهوة ولا تضاف لها حبات الهيل، هي بمثابة العجوز الشمطاء الكريهة الأنفاس - يعني (Bad breath) لمن يحسنون الرطانة بالإنجليزية.

وآسف أنني أنهيت مقالي بهده الكلمة التي (مش ولا بد)، ويا ليتني أنهيتها بأغنية (أسمهان): أهوى، أنا أهوى.

[email protected]