بين جبهة «الممانعة» والجيش الحر

TT

منذ قيام الثورة الإيرانية قبل أكثر من ثلاثين عاما، تحالفت القيادة السورية مع الجمهورية الإسلامية في طهران لتشكيل جبهة الممانعة بدعوى مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية، وتحرير القدس الشرقية. وفي فيلم خيالي أنتجه أحمدي نجاد، ظهر حسن نصر الله رئيس حزب الله يسير جنبا إلى جنب مع الرئيس الإيراني، وهما يدخلان مدينة القدس بعد تحريرها من سيطرة إسرائيل. وبعد كل هذه السنين أتبين أن هدف طهران من احتضان شعار الممانعة لم يكن هو تحرير القدس وفلسطين، وإنما إعادة بناء الإمبراطورية الفارسية على أرض العرب، بمساعدة آل الأسد في سوريا. والآن عندما بدا أن رجل إيران في دمشق صار على وشك السقوط، سارعت قوى الممانعة لنجدة حليفها في بلاد العرب، وحماية مصالحها من الانهيار.

وبعد نحو عامين من ثورة الشعب السوري دمر فيهما بشار الأسد جميع مدن بلاده، وقتل عشرات الآلاف من أبناء شعبه، تاركا مئات الآلاف منهم ينزفون من جراحهم أو يهربون من حدودهم، اقتربت ساعة الحسم، وصار قصر الأسد على مرمى قذائف الثوار. وبدلا من التوقف عن العناد الذي دمر الوطن، قرر الأسد الاستمرار في مقاومة إرادة شعبه، وأمر بسحب قوات الفرقة الخامسة المدرعة التي تحمي الوطن من جبهة الجولان في مواجهة إسرائيل، ليحمي قصره في دمشق من السقوط. وسارعت قوى الممانعة بتلبية نداء المعركة، فقرر حزب الله اللبناني استخدام أرض بلاده لمهاجمة مواقع الجيش الحر المتاخمة للحدود اللبنانية بمنطقة القصير غرب حمص، على بعد 162 كيلومترا شمال دمشق. كما قام حزب الله بتدعيم أنصار الأسد في المناطق الحدودية بالسلاح، لمنع الجيش الحر من السيطرة عليها.

وأرسل حزب الله مستشارين عسكريين ومقاتلين من رجاله لمساعدة الحكومة السورية على حماية العاصمة في دمشق. وبين حين وآخر صار نصر الله يدفن موتاه من شباب حزب الله من دون أن يعلن عن المعركة التي يموتون فيها. كما شن حزب الله هجمات على مراكز الجيش الحر في ثماني قرى حدودية بين سوريا ولبنان، في محاولة للوصول إلى مدينة حمص والسيطرة عليها. ويبدو أن خطة حزب الله تهدف إلى تأمين الطريق بين بيروت ودمشق، حتى لا يتمكن الثوار من قطع علاقة الحزب بالقيادة السورية.

ومع ذلك فإن حزب الله في هذه المعركة، ورغم التدريب العالي الذي حصل عليه مقاتلوه، قد أوقع نفسه في فخ لن يستطيع الخروج منه بسهولة. فعندما لم تستطع الحكومة اللبنانية كبح جماح حسن نصر الله الذي استباح الحدود الشمالية للبلاد عند منطقة الهرمل، رد الجيش الحر على هجمات حزب الله بقصف مواقعه داخل الأراضي اللبنانية. وبدلا من الانسحاب والابتعاد عن المواجهة مع الجيش الحر، قرر حزب الله تصعيد المعركة معلنا التعبئة العامة لقواته التي انتشرت في ثماني قرى على الحدود مع سوريا، وقام بنقل المدافع والصواريخ إليها. إذا كان الشعب اللبناني هو الذي حمى حزب الله في معارك الكر والفر في الجنوب، فلن يحميه أحد في الشمال من هزيمة محتومة.

ومع تدخل حزب الله ازداد نشاط فيلق القدس في المعارك السورية، وهذا هو ما تم الكشف عنه عندما أعلنت إيران عن مقتل حسام خوش - أو الجنرال حسن شاطري - القائد بالحرس الثوري الإيراني الذي قتل في سوريا. وقد بينت التقارير الغربية أن إيران تسهم في المعارك ضد الشعب السوري، ليس فقط بالسلاح والمال بل أيضا بالخبراء والمقاتلين.

ومع اقتراب المعركة الفاصلة بين الشعب والنظام في سوريا، تخشى إيران من فقدان حليفها الرئيسي بين العرب، فتضيع عليها فرصة زعزعة الوحدة العربية من الداخل. كما بات حزب الله يدرك أن سقوط بشار في دمشق سيؤدي بالضرورة إلى قطع طريق إمداداته عبر الحدود، وفقدان الشرعية التي قام عليها باسم المقاومة في لبنان، ونهاية حلمه في مد سيطرة الولي الفقيه، الذي لم يكن سوى كابوس في بلدان العرب.