الحاكم العادل والناخب الجاهل

TT

طالما حلم الفلاسفة والمفكرون السياسيون بالحاكم العادل كأحسن أسلوب للحكم الصحيح والناجح مثل الملك عبد الله بن عبد العزيز والسلطان قابوس. يسعى كلاهما إلى تطوير شعبيهما وبلديهما بأناة وحكمة ومن دون الوقوع في ما يسميه الإنجليز قلب عربة التفاح، أي زعزعة الأوضاع وجلب الفوضى.

أشرت قبل أيام إلى مجلس الشورى العماني وافتقاره للعنصر النسائي. كان هناك أعضاء من النساء عندما كان السلطان يرشح الأعضاء. ولكنهن اختفين من الساحة حالما ترك الأمر لأصوات الناخبين.

يظهر أن الرجال في عالمنا يصرون على حجر المرأة في المطبخ. لقد تفادى العاهل السعودي هذا المطب بتخصيص 20 في المائة من عضوية مجلس الشورى للنساء.

لقد استطاعت السعودية تحقيق ذلك بالنظام الملكي. فالملك عبد الله هو ابن ذلك الحاكم الفذ الملك عبد العزيز - رحمه الله - وسليل تلك الأسرة التي أمسكت بزمام الحكم لأجيال طويلة. فبفعل الاستمرارية وما يسميه العلماء دروس التجربة والخطأ يكتسب الإنسان الخبرة اللازمة لتنظيم الحياة والنجاح في تصريفها. هكذا بهرتنا السعودية بسلسلة من الحكام والأمراء ممن تنطبق على كل واحد منهم صفة «الحاكم العادل»، بفعل إعدادهم لتولي المسؤولية، وربما أيضا بفعل الجينات الموروثة. وككل ملوك الأرض، لهم من الإرث ما يغنيهم عن الخوض في الفساد. وعلى عكس ما يتصوره ويقوله الثوريون واليساريون والليبراليون، وجدت دائما الأمراء والمسؤولين السعوديين أكثر تقدمأ وتقديرا للتطوير والتنوير من غيرهم. هناك حكايات ووقائع طويلة تدعم ما أقوله وتصور مدى المصاعب التي وقفت في طريقهم في كل خطوة خطوها إلى الأمام.

وكل ذلك على نقيض من جاد بهم الناخبون الأميون الجهلاء الذين أعطونا مجالس وحكاما وصفتهم كلينتون بعدم الخبرة. لم يسبق لبعضهم أن تولوا أي وظيفة في حياتهم، وقضى آخرون جل أيامهم في ظلمات السجون. فهل نعجب أن تخبطوا في الأداء؟! الحكم والحكومة فن وتكنولوجيا عالية تتطلب السنين الطوال من التأهيل والمعرفة والخبرة.

لقد علمتنا السنوات الأخيرة هذا الشيء: الحذر من الناخب الأمي والجاهل الذي لا يسيره غير نوازعه العاطفية وما يسمعه من مرجعياته وما يهزه من الخطب الديماغوجية. وهذا مثلما علمنا التاريخ أن الإصلاحات الخطيرة في مسيرة الإنسان قام بها حكماء الملوك، حمورابي ملك بابل، وهنري الثامن ملك إنجلترا، وبطرس الأكبر قيصر روسيا، وفريدريك الكبير ملك بروسيا.