نعم.. صدق نوري المالكي

TT

أظن أنه لا حاجة للحديث، مجددا، عن نقد أداء رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وكثرة الفرص النادرة التي أضاعها الرجل لقيادة العراق إلى بر الأمان.

هذا حديث معروف، ولكن الموضوعية تقتضي أيضا عدم تحميل الرجل كل خطايا وأخطاء العراق الحالي، فهناك علل عميقة تخترم شباب العراق، بعضها متصل بعهد الحماية البريطاني، وبعضها بطبيعة الاستقلال عن هذه الحماية، ونشأة الدولة «الوطنية»، وبعضها متصل بالانقلاب على العهد الملكي، وبعضها متصل بحقبة البعث القاسية، مع العهد العارفي ثم مع العهد الصدامي، وصولا إلى غزو الكويت ثم حصار العراق، ثم غزوه، وإسقاط صدام ثم قتله، مع قيام حياة سياسية مركبة بشكل طائفي، بسبب حماقة الأميركيين ودهاء طهران، وتشتت الجوار العربي.

من هنا فنوري المالكي ابن طبيعي لهذه المرحلة بكل عللها، ومعها أوشاب التاريخ، الحديث منه والموغل في القدم، على بطاح الطف الكوفة وضفاف صفين.. ولحظات التكوين الأولى.

مع هذا كله، فإن المنصف يجب أن يسجل للرجل أنه صلب العزيمة، واضح الرأي، ومؤخرا يقدم آراء غاية في المباشرة والوضوح، عكس الكثير من ساسة المنطقة، ومن هذا تفسيره لموقفه من الحرب في سوريا، إن كان حديثه مع الزميل رئيس التحرير هنا في «الشرق الأوسط» الذي حذر فيه من شجاعة اليأس العلوي خلف الأسد، أو حديثه الأخير لوكالة «أسوشييتد برس» الذي حذر فيه من أن انتصار معارضي الرئيس السوري بشار الأسد سيفجر حروبا طائفية في بلاده ولبنان ومن شأنه أن يخلق ملاذا جديدا لتنظيم القاعدة سيزعزع استقرار المنطقة.

وأضاف المالكي للوكالة: «إذا خرجت المعارضة منتصرة ستكون هناك حرب أهلية في لبنان وانقسامات في الأردن وحرب أهلية في العراق».

نعم، كلام المالكي مباشر وخشن، وربما مغضب لكثير من المنحازين للثورة السورية ضد نظام بشار. وأنا منهم. ولكن يجب تجنيب المشاعر قليلا، فهو في بعض ما قاله محق ومصيب، أو ربما قريب من الصواب، وبوادر هذه الحرب الأهلية نشهدها في العراق ولبنان، بسبب الصدام الحاد بين نظام موغل في الحل الأمني ومثير للنزعة الطائفية، ومعارضة مصرة على المواجهة إلى آخر الطريق، باذلة النفس والنفيس رغم خذلان العالم لها.

لكن هذا الصواب لا ينفي صوابا أكبر منه وأشمل، هو أن قراءة الأميركيين والأوروبيين «الجبانة» للمشهد السوري من البداية، وعدم دعمهم الحقيقي للثوار السوريين في بداية الأزمة، هو الذي أجبر السوريين على الاستعانة «بالشيطان» من أجل حماية أنفسهم من هذا السفاح بشار الأسد، والخلاص من عصابته الحاكمة.

أما انعكاس ذلك على الجوار العراقي واللبناني، فشيء طبيعي، ومشاهد، فخطاب ورهانات المالكي والتحالف الشيعي في العراق واضحة في ترويج رواية إيران عن الحالة السورية، وتبنيها، ويكفي أن تقرأ وتشاهد «أدبيات» التيارات الشيعية العراقية حول الأزمة السورية، أما في لبنان فالأمر أوضح من أن يوضح، فحزب الله بمقاتليه وخطبه وقناة مناره، ومحلليه، وحسنه ابن نصر الله، كلهم مع بشار، عيانا بيانا، ثم بعد ذلك لا تنتظر يا سيد نوري المالكي ردا من نفس الطراز والنوع؟! خاصة ونحن في منطقة مريضة ومقيمة في علل التاريخ وصراعاته، وسهلة الاستثارة به؟!

صدق المالكي في رؤيته لآثار الأزمة، ولكنه لم يكمل قراءة المشهد ليرى كيف يراه الآخرون أيضا، وما هو دوره هو أيضا في هذا المشهد الحزين.

[email protected]