لماذا هؤلاء أبطاله؟

TT

لي كوان يو صار في التاسعة والثمانين وعليل، لكن محادثاته عبر السنين مع أستاذين من هارفارد صدرت الآن في كتاب يعتبر صاحباه أن صاحب سنغافورة هو أحد حكماء العصر. يقول كوان إن أبطاله ثلاثة: شارل ديغول، ونستون تشرشل، ودينغ كسياو بنغ. السبب أن الثلاثة كانوا أقوياء في لحظات الضعف التي مرت فيها بلدانهم.. ديغول أنقذ فرنسا من خيانة المارشال فيليب بيتان وتعامله مع الاحتلال النازي، وتشرشل قاد بريطانيا إلى النصر تحت صواريخ هتلر، وبنغ غيَّر حياة الصين من الفقر والجدب إلى المراكز الأولى في العالم.

القيادة، أو الزعامة، موهبة مولودة.. الإدارة تكتسب.. القادة رجال نادرون والدليل قائم منذ العصور. ولا يتوقع كوان الصيني أن تأخذ الصين المكانة الأولى في العالم ذات يوم، لثلاثة أسباب: لغة صعبة لن تمكن الآخرين من احتضان الحضارة الصينية، ولا الصينيين من العبور إلى الثقافات الأخرى. ثانيا لأنها دولة غير ليبرالية.. فسادها كثير ومحاسبتها قليلة. وثالثا لأنها إن فعلت تفككت. لقد اعتادت منذ 5 آلاف عام على حكم الرجل الفرد؛ الإمبراطور المطلق، أو ما يعرف عندنا بالفرعون.

بنى كوان سنغافورة بقبضة قوية في السياسة وانفتاح مضبوط في الاقتصاد. ولأن بلاده صغيرة تحتاج الآخرين ولا يحتاجون لها، جعل الإنجليزية لغتها الرسمية. لا وقت لإضاعته في المعاملات وحل الرموز الهيروغليفية والمسماريات. هكذا فعلت من قبله الهند.. ولدى انهيار الاتحاد السوفياتي خطر للقادة الروس أن الحل قد يكون في اعتماد الإنجليزية لغة أخرى.. هكذا يفعل الفرنسيون، من دون إعلان. ولا تزال آيرلندا تحتفظ بلغتها القديمة (الغالية) لكنها لا تستطيع التفاهم بها مع أحد خارج الجزيرة.

هناك إمبراطوريات محتملة أعاقتها لغتها، في اعتقادي: اليابان وألمانيا والصين. ولا ننسى أن الإمبراطورية البريطانية بدأت بـ«شركة الهند الشرقية».. كانت بضاعتها الأولى لغتها، فهي جزيرة لا تنتج شيئا؛ حتى السمك، لكنها تعرف كيف تسوق منتجات الآخرين وثرواتهم الطبيعية.

يخشى كوان من انهيار المجتمع الأميركي ذات يوم: للفرد حقوق كثيرة وعليه مسؤوليات قليلة، والسياسيون الأميركيون يفعلون أي شيء من أجل الفوز في الانتخابات. حال قد لا تدوم طويلا بالنسبة للرجل الذي، مثل أبطاله، كان أقوى من بلده.. أرض من المستنقعات حوَّلها إلى الدولة الأهم بين صغار الدول.