ورطة الإخوان في حكم مصر

TT

ليس من المبكر أن نقول الآن وبعد توالي الأحداث المؤسفة الأخيرة إن الرئيس مرسي ومعه جماعة الإخوان المسلمين في ورطة حقيقية: إيقاف الانتخابات بأمر القضاء‏‏ واستمرار العصيان المدني في بورسعيد على حاله، وتواصل إحراق المقرات الحكومية والخاصة، وانتقال عدوى الاشتباكات والمناوشات إلى مدن أخرى في الدلتا، في المنصورة أو المحلة، والأخطر من هذا وذاك عصيان الشرطة وانضمامها للمعتصمين. يغذي هذا الوضع المتردي معارضة فاشلة متفككة متهالكة إلا في خصومتها للرئيس، شريحة منها غير شريفة تريد إفشال حكم الإخوان ولو بإشعال البلاد كلها، يدعمها بقوة إعلام موجه ينتشي وهو يوجه مزيدا من الضربات الموجعة للوضع المترنح أصلا، ويضحك ساخرا ملء شدقيه من ارتباك الرئيس ومعه حكومته الضعيفة.

هي ورطة حقيقية، لأن أمام الرئيس حيال الانفلات الأمني حلين أحلاهما مر، إما أن يكون صارما حازما فيأمر أمنه باستخدام الذخيرة الحية ضد البلطجية والمشاغبين الذين يعتدون على الممتلكات العامة والخاصة، والذين يحمل بعضهم أسلحة يستخدمونها في هجماتهم، وهذا الحل هو الذي يطالب به مؤيدو الرئيس من الإسلاميين المتحالفين معه، وهو أيضا مطلب شريحة ليست قليلة من الشعب الذي أصابه الضجر وتملكه الملل من استمرار الاضطرابات وتواصل الاعتصامات التي ساهمت في تردي الوضع الاقتصادي وتهاوي العملة وغلاء الأسعار.

هذا الحل ينطوي على مخاطر كبيرة لأن استخدامه سيسكب مزيدا من الزيت على نار مشتعلة أصلا، وقد تعجل بانزلاق البلاد إلى دوامة عنف وعنف مضاد، ثم إن مشهدا واحدا لرجل أمن مصري يردي أحد البلطجية قتيلا سيقلب هذا البلطجي إلى أيقونة وبطل قومي وسترتفع حينها التساؤلات: «بأي ذنب قتلت؟!»، فكيف لو تحول عدد القتلى إلى العشرات والمئات؟!

والحل الثاني من الحلول المرة، وهو الذي اختاره الرئيس وفريق مستشاريه: التحلي بأكبر قدر من ضبط النفس تجاه العنف والاعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة، وعدم استخدام السلاح ضد مرتكبي هذه الجنح، وهذا الحل وإن بدا إنسانيا وحكيما، لكنه هو الآخر له أعراض جانبية خطيرة، فهو يعني المزيد من الانفلات الأمني، وتناقص هيبة الحاكم، ويعني مزيدا من التردي للوضع الاقتصادي، والناس إذا لم تطعمهم من جوع ولم تؤمنهم من خوف فلن يلتفتوا إلى طيبتك وإنسانيتك وتواضعك والأذان الذي تصدح به والشقة المتواضعة التي تستأجرها. بالتأكيد أن «الدولة العميقة» والفلول والمتعاونين معهم والذين يتقاطعون معهم في مخاصمة ومناكفة الرئيس و«جماعته» لهم دور فيما يجري، هذه الحقيقة لن تغفل الجانب الآخر من الحقيقة، وهو أن الذين يحتجون ويعترضون ويتظاهرون ويعتصمون ليسوا كلهم من هذه الفئة، بل فيهم شريحة ليس لها انتماء وهي التي أعطت صوتها لمرسي ليس حبا فيه ولكن كرها لشفيق، هذه الشريحة بالذات إذا لم تجد في الرئيس ما انتخبته لأجله فإن تحولها إلى المعارضة سريع وهذا ما يجري الآن وهو الذي يفسر تناقص شعبية الرئيس بسبب عدم رضاها عن أسلوب حكمه.

ليس أمام الرئيس ومعه الإخوان إلا الواقعية في استيعاب القوى المختلفة وإشراكهم في كعكة الحكم مهما كانت درجة خصومتهم لها، وليس صحيحا أن هذه مطالب جبهة الإنقاذ وحدها، بل حتى السلفيون وبعض المستقلين الذين كانوا الثقل الذي رجح كفة انتصار الرئيس مرسي على شفيق، صاروا الآن يطالبون أيضا بتوسيع حقيقي وصادق للمشاركة في الحكم لانتشال البلاد من هذا المأزق، فمشاركة أطياف المعارضة في الحكم، علاوة على أنه سيقلم مخالبها الحادة، سيجعل الجميع يشارك في الغنم والغرم بدل أن ينفرد بهما فصيل واحد.

[email protected]