مسرحية «الصهر».. أحجية وألغاز!

TT

حصلت واشنطن على ما تريد واعتقلت سليمان أبو غيث أحد أبرز المطلوبين في تنظيم القاعدة، بعد عملية متداخلة متشعبة كل ما يعرف منها حتى الآن تعاون إقليمي مباشر لعب الأردن الدور الأبرز فيه بعدما سلم صهر بن لادن إلى رجال المخابرات الأميركية في مطار عمان الدولي. مصادر أردنية تقول «لسنا طرفا في العملية»، لكن النائب الجمهوري بيتر كينغ يندفع للإشادة «بجهود حلفائنا الأردنيين».

أبو غيث نفى التهم الموجهة له أمام المحكمة الفيدرالية وذكر أنه لم يشارك في أية هجمات ضد المصالح الأميركية، ولم يتآمر لقتل أميركيين، وأنه انشق عن «القاعدة» بعدما أعلن القطيعة معها في مؤلفه تحت عنوان «عشرون وصية على طريق الجهاد» معلنا رفضه أن يكون العمل الجهادي «مشروع شخص واحد يستخدم دماء آخرين لتجربة ما يبدو صائبا له».

مسرحية سليمان أبو غيث، أحد أهم رجال الدائرة الأولى في «القاعدة» حتى الأمس القريب، حملت معها في جميع مراحلها الكثير من التساؤلات والاستفسارات وتركت من ورائها الكثير من الألغاز والأحجيات التي تنتظر تفكيكها والإجابة عنها:

السؤال المحير الأول الذي يحتاج إلى إجابة، هو معرفة من زود المخابرات الأميركية بمعلومات عن دخول أبو الغيث إلى تركيا وبجواز سفر مزور رغم معرفته أن واشنطن تلاحقه عن قرب؟ السؤال الآخر اللافت هو: لماذا لم تقبل أنقرة طلب اللجوء السياسي الذي تقدم به؟ ولماذا لم تتم إعادته إلى إيران الدولة التي جاء منها، انسجاما مع قواعد القانون الدولي وأعرافه خصوصا أن المعلومات التي سربتها أنقرة تفيد بأن الرجل ليس مطلوبا للعدالة التركية، وأن تهمته الوحيدة بعد التحقيقات معه هي دخوله البلاد بهذا الجواز المزور؟ السؤال الثالث الذي ينتظر الرد هو معرفة ما إذا كان ما يجري يندرج في إطار عملية مساومة بين طهران وواشنطن في نطاق صفقة سرية متشعبة ومتعددة الجوانب؟ الرواية التركية حول رفض إيران استرداده غير مقنعة ما دام «أبو غيث» يقول إن المخابرات الإيرانية هي التي رافقته حتى باب الفندق في أنقرة. النقطة الرابعة التي سنناقشها في الأيام المقبلة حول العملية وأبعادها ستكون حتما البحث عن إجابة لسؤال حول ما إذا كانت طهران هي التي تلعب ورقة «أبو غيث» ضد الجميع، أم إنه هو الذي نجح في المغادرة بعد تضييق الخناق عليه أو تعارض المصالح بينه وبين القيادة الإيرانية خصوصا أن صحيفة «نيويورك تايمز» نقلت عن مسؤول أميركي أن «أبو غيث» كان لطيفا ومحترما عند إلقاء القبض عليه، ولم يفاجأ إنما كان يشعر بخيبة أمل.

مدعي عام جنوب نيويورك بريت براهارا قال إن ما حصل الآن «هو المثال الجديد على التزامنا بالقبض على أعداء الولايات المتحدة ومعاقبتهم مهما استغرق الأمر». لكننا لم نفهم أي نوع من التقارب هذا الذي يوحد المصالح الأميركية - الإيرانية؟ وما الذي قد يدفع بعض العواصم العربية للتعاون مع واشنطن في قرار نقله إلى الولايات المتحدة إذا ما كان في الأمر أصابع إيرانية؟

أنقرة نقلته إلى مطار عمان بعد شهر من احتجازه بانتظار إيجاد البلد الذي يرضى به.. فهل تكون الصدفة وحدها هي التي جمعت بين وصول وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى تركيا ورحيل «أبو غيث»؟

مصدر رسمي تركي يردد: «لسنا طرفا في أية صفقة. لقد تعاملنا مع الموضوع وفق المعايير الدولية وبكل شفافية». لكن العديد ينتظرون من أنقرة توضيحا مقنعا حول الضمانات التي حصلت عليها قبل أن ترسله بطائرة الترانزيت إلى العاصمة الأردنية رغم أنها تعرف بوجود طيران مباشر بين أنقرة والكويت. ولِمَ لم تتمسك بإعادته إلى طهران التي جاء منها إلا إذا كان هناك طلب مباشر من «أبو غيث» بذلك حفاظا على حياته؟

كل ما نعرفه حتى الساعة هو أن واشنطن وصلت إلى ما تريد رغم التعنت التركي والتعاون الإيراني.. دون أن نهمل الاستفسار عن المعايير القانونية: كيف تم نقل «أبو غيث» وإحالته إلى محكمة فيدرالية تتسلمه من رجال المخابرات الأميركية في عملية خارج الحدود وتحقق معه وتأمر باعتقاله وسجنه؟

المفاجأة لن تكون حتما عندما نسمع أن «أبو غيث» كان ضحية صفقة إيرانية - أميركية مباشرة؛ بل أن نكتشف أنه هو من قرر التلاعب بالجميع لينتهي به الرحال في الولايات المتحدة الأميركية على طريقة نائب وزير الدفاع الإيراني الأسبق علي رضا أصغري الموجود في الغرب منذ عام 2007 وسط عملية اختفاء شابها كثير من الريبة والشكوك.

هل «أبو غيث» هو الذي اختار تسليمه للأميركيين بعدما ضيقت المخابرات الأميركية الخناق حوله، أم إنها صفقة تمت بينه وبين الأميركيين مسبقا عبر وسطاء قدم له خلالها الأميركيون ضمانات قوية في حال قبِل التعاون معهم؟