أمن الأردن في خطر.. والمطلوب وقفة عربية ودولية جادة

TT

عندما يتوالى تدفق اللاجئين السوريين في اتجاه الأردن بأعداد هائلة فلكية وعندما تكون هناك توقعات حقيقية وفعلية بأن تصل أعداد هؤلاء اللاجئين وفي يوم واحد ليس إلى مليون فقط، وإنما إلى أربعة أو خمسة ملايين وأكثر، وعندما نتذكر أن بشار الأسد نفسه كان قد هدد وبعظمة لسانه، عندما بدأت هذه الأزمة في سوريا قبل عامين بالتمام والكمال، بأن الفوضى التي «ستدب» في بلده سوف تعم المنطقة كلها، وأن العنف الذي يعصف بهذا البلد سوف ينتقل إلى الدول المجاورة والمعروف أن الدولة الأردنية هي المقصودة قبل غيرها وأكثر من غيرها بهذه التهديدات التي مع استفحال هذه الأزمة التي غدت متفاقمة ومفتوحة على احتمالات مرعبة كثيرة.. فعلية وحقيقية.

إن الأمر لم يعد مجرد مخاوف وتوقعات افتراضية، فلقد باتت أعداد اللاجئين السوريين الذين يتجاوزون حدود بلادهم، تحت ضغط هدير المدافع وأزيز الرصاص والاعتداءات اللاأخلاقية لـ«الشبيحة» الطائفيين على «كريمات» أبناء الشعب السوري، في اتجاه الحدود الأردنية تزيد على الأربعة آلاف في اليوم الواحد، وهذه أرقام مرشحة للتزايد، وقد تصل إلى المليون، وأيضا إلى أربعة ملايين وأكثر إذا واصل هذا النظام حربه ضد شعب من المفترض أنه شعبه، وإذا استمرت عمليات التطهير المذهبي التي واصل جيش بشار الأسد القيام بها، ومنذ اللحظة الأولى في مثل هذه الأيام من مارس (آذار) عام 2011.

لقد وصلت أعداد الذين لجأوا إلى الأردن من الأشقاء السوريين الذين - كما يقال - لم «يلزهم» على المر إلا الأمرّ منه، في شهر فبراير (شباط) الماضي إلى نحو سبعين ألفا، ولقد بلغت أعداد هؤلاء في الأيام العشرة الأولى من هذا الشهر مارس إلى أكثر من عشرين ألفا، والمشكلة هنا أن الأردنيين والعرب، ومعهم العالم كله الذي يتابع كل هذه الأحداث الصاخبة التي تضرب الكثير من دولنا العربية عن بعد، باتوا يتعاملون مع هذه المسألة الخطيرة كأرقام ومتابعات «روتينية» لأرقام الذين يقتلون يوميا من أبناء الشعب السوري بقذائف مدافع نظام «الممانعة والمقاومة» وصواريخه، والذين دأبت الفضائيات العربية وغير العربية تمر على أرقامهم مرورا عابرا في نشراتها الصباحية والمسائية.

في حديث له في اجتماع «مغلق» في الجامعة العربية قبل أيام قال المبعوث العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي، إنه مما يوجع القلب ويحز في النفس أن أرقام القتلى الذين يسقطون يوميا في سوريا باتت تذكر في نشرات الأخبار كذكر الأرقام المتعلقة بنشرات الطقس اليومية، وكأنه عندما يسقط مائة أو مائة وخمسون قتيلا لا يكون هناك بالإضافة إليهم خمسة أو حتى عشرة أضعاف هذا الرقم من الجرحى ومائة ضعف وأكثر من المهجرين والمعتقلين والمفقودين الذين يقول رئيس الائتلاف المعارض الشيخ معاذ الخطيب، إن هناك تقديرا إلى أن أرقام هؤلاء قد وصلت فعلا إلى مائة وستين ألفا، وأن كل معتقل من هؤلاء يفقد وزنه في كل شهر ونصف الشهر 15 كيلوغراما، وأن بعض هؤلاء يجري تكديس تسعين واحدا منهم في زنزانة لا تزيد مساحتها على مجرد عشرين مترا مربعا.

إن المأساة الحقيقية في هذه التي تجري في سوريا، وإن ما يدعو إلى الحزن وتمزق الضمير، أن العرب ومعهم هذا العالم الذي بات يتعامل مع مآسينا الممتدة من ليبيا إلى تونس وإلى مصر وإلى اليمن وإلى العراق وسوريا ولبنان، وأيضا إلى فلسطين وإلى الأردن، نظرا لإغراقه المقصود بكل هذه المآسي، كأرقام جامدة عادية وأنهم لا يكلفون أنفسهم حتى بمجرد التفكير بمعنى أن يقذف نظام بشار الأسد يوميا، تنفيذا لما كان هدد به بنشر الفوضى في المنطقة كلها وتصدير العنف إلى الدول المجاورة، بألوف اللاجئين المشردين من أبناء شعبه في اتجاه دولة فقيرة تعاني معاناة حقيقية وفعلية من شح مواردها هي المملكة الأردنية الهاشمية.

ألا يعني هذا أن بشار الأسد، بدعم مكشوف ومعلن من إيران ومساندة من نوري المالكي ومن زعيم حزب الله اللبناني الذي تجاوزت مذهبيته وطائفيته كل الحدود، والذي بات يستضيف في ضاحية بيروت الجنوبية، الدولة المذهبية الأقوى حتى من الدولة اللبنانية نفسها، مدينة إعلامية لكل طائفيي هذه المنطقة المنخرطين في المشروع التوسعي الفارسي الإمبراطوري الذي بات مؤكدا ومن غير الممكن إنكاره.. ألا يعني هذا أن بشار الأسد يشن حربا فعلية على الدولة الأردنية التي هي البوابة الشمالية للجزيرة العربية، إذ ما هي الحرب يا ترى إذا كان الدفع بكل هذه الأعداد من اللاجئين المطاردين في اتجاه دولة مجاورة لإغراقها في الفوضى والانفلات الأمني لا يشكل حربا فعلية أكثر خطرا على هذه الدولة من حرب المدافع والطائرات والصواريخ الباليستية؟!

إن الأمن الأردني بات مهددا بالفعل حتى وإن كان الأردنيون يعضون على الجرح ويجدون أن عليهم أن يواصلوا استقبال كل هذه الأعداد المتزايدة من أشقائهم السوريين الذين لم يدفعهم إلى كل هذا المر إلا الأمر منه، وهنا فإن ما يجب أن يدركه العرب، أنظمة وشعوبا، الذين يوجعهم بالفعل هذا الوجع هو أن تأتي لحظة، وهي لحظة باتت قريبة، يتدفق فيها ومرة واحدة مليون لاجئ سوري، وربما أربعة ملايين وأكثر في اتجاه الحدود الأردنية.. ألا يعني هذا أن الأمن الأردني وأيضا أمن الدول المجاورة للأردن سيواجه أخطارا حقيقية؟! فالمسألة ليست مسألة خيام ومدارس وطعام وشراب، إنها مسألة أمنية بالدرجة الأولى، وإن ما يؤكد أن هذه الأخطار حقيقية وفعلية أن وراء كل عمليات التهجير هذه التي تستهدف فئة محددة من السوريين تصميما معلنا على نشر الفوضى في المنطقة وتصدير العنف إلى الدول المجاورة.

وهنا وللتأكيد أن الأمن الأردني بات يواجه أخطارا فعلية وحقيقية في ضوء ما جرى وما يجري الآن وما قد يجري قريبا بتحول أرقام اللاجئين والمهجرين السوريين من وطنهم تحت ضغط المذابح المتنقلة التي تستهدف طائفة محددة دون سواها من المئات والألوف إلى الملايين، فإنه لا بد من التذكير بأن الاتحاد السوفياتي عندما غزا أفغانستان في نهايات سبعينات القرن الماضي قد تذرع بأنه لا يستطيع السكوت عن أن يغرق هذا البلد في الفوضى المدمرة التي من الممكن أن تنتقل إلى الجمهوريات الإسلامية المتاخمة، وهذا ما فعله حافظ الأسد نفسه عندما دخل عسكريا إلى لبنان بحجة إخماد ما أصبح يتعرض له من فوضى واضطراب أمني، وأيضا على أن سوريا لأسباب أمنية واجتماعية واقتصادية لم تعد قادرة على استقبال المزيد من اللاجئين اللبنانيين الذين قيل إن أعدادهم في أقصاها قد وصلت في ذلك الحين إلى أعداد ما وصل إلى الأردن من لاجئين سوريين خلال ثلاثة شهور فقط.

ولهذا فإننا نجد أنه بات علينا أن «ندب» الصوت عاليا وأن نقول للعرب الذين يوجعهم وجع هذه الأمة بالفعل إن الأمن الأردني بات يواجه أخطارا فعلية وحقيقية في ضوء ما يجري الآن وأيضا في ضوء توقع نزوح مليون وأكثر من الأشقاء السوريين إلى الأراضي الأردنية في فترة غدت كل التوقعات تشير إلى أنها باتت قريبة، وهنا ومرة أخرى فإن المسألة ليست مسألة أكل ولا شرب ولا خيام ولا معسكرات ومخيمات جديدة.. إنها مسألة أمنية جدية وبالغة الخطورة.

ولذلك فإن المطلوب ليس المزيد من الخيام و«الكرفانات» ولا الطعام والشراب ولا المعسكرات بأسلاك شائكة وبلا أسلاك شائكة. إن المطلوب هو موقف جدي أولا تجاه روسيا التي ثبت أنها عدو مبين ليس للشعب السوري فقط، وإنما للعرب كلهم، وثانيا تجاه مجلس الأمن الدولي الذي يجب أن يتخلى عن ميوعته وأن يفعل شيئا لجهة إيجاد ملاذات آمنة لأبناء الشعب السوري داخل الأراضي السورية تكون محمية دوليا وحتى من قبل حلف شمال الأطلسي إذا لزمت الأمور وعلى غرار ما تم بالنسبة لـ«كوسوفو» وعلى اعتبار أن تركيا دولة أساسية في هذا الحلف، وأن الفوضى التي يقوم نظام بشار الأسد بتصديرها إلى المنطقة وإلى الدول المجاورة لا تهدد هذه المنطقة وحدها، وإنما تهدد أوروبا كلها، وتهدد أيضا حتى الولايات المتحدة التي لها وجود عسكري ولها مصالح حيوية واستراتيجية في الشرق الأوسط كله.