ما هو سر الهيام بين أوباما وجماعة الإخوان؟

TT

لماذا يؤيد الرئيس أوباما حكومة الإخوان في مصر، رغم التردي المتزايد للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مصر؟ وبدلا من سماع أصوات المعارضة المصرية المطالبة الرئيس الأميركي بالضغط على الرئيس مرسي أو محاولة إسقاطه، فقد منح أوباما الرئيس المصري 190 مليون دولار لمساعدته على المحنة الاقتصادية في بلاده. وخلافا للانتقادات العلنية التي وجهها للرئيس مبارك، لم يوجه الرئيس الأميركي لوما واحدا إلى الرئيس مرسي. بل على العكس، وجه أوباما شكره للرئيس المصري على حسن تعامله مع الأزمة بين حماس وإسرائيل.

وحتى نفهم سر المعاملة الخاصة بين الرئيس الأميركي وحكومة الإخوان، لا بد أن ننظر في نتائجها.. فسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لها هدفان أساسيان: حماية أمن إسرائيل، وإضعاف حركات الإسلام السياسي. وهذا هو ما يريد أوباما الوصول إليه من التقارب مع حكومة الإخوان في مصر. فحتى تتحقق الأهداف الأميركية، لا بد أن تعترف حكومة الإخوان بشرعية دولة إسرائيل - عن طريق احترامها لاتفاقية السلام بين البلدين - وأن يدرك الشعب المصري بنفسه خطر الإخوان على الحلم الديمقراطي الذي يسعى لتحقيقه. فقد بنت جماعة الإخوان شعبيتها منذ 1947 على فكرة الجهاد لتحرير أرض المسلمين في فلسطين، ومحاربة أميركا باعتبارها الحليف الرئيسي لإسرائيل. ولن تستطيع أميركا هزيمة الإخوان في الشارع، بينما يصبح التقارب الأميركي مع الإخوان بمثابة قبلة الموت.

وبعد تخلي الرئيس مبارك عن الرئاسة، لم يوجه المصريون الشكر للرئيس أوباما على المساعدة التي قدمها لإنجاح ثورتهم، بل على العكس، إذ عادت الأصوات ترتفع للهجوم على أميركا وعلى سياستها في المنطقة. واعتبر حمدين صباحي - الذي يتبع التيار القومي الناصري - أن الولايات المتحدة هي «خصمنا الرئيسي»، وهدد بإلغاء معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، في حال فوزه في انتخابات الرئاسة. كما أعلن الدكتور السيد البدوي - رئيس حزب الوفد الليبرالي - بعد شهرين من سقوط نظام الرئيس مبارك، عن احتمال ترشحه لرئاسة الجمهورية، وقال إنه عند نجاحه سوف يعلن سقوط معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل «في حال عدم قيام دولة فلسطينية» على الأرض التي احتلتها عام 1967 وعاصمتها القدس.

أما جماعة الإخوان المسلمين التي عارضت اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل منذ توقيعها، فقد أسرعت بإرسال مندوبيها إلى واشنطن لطمأنة الإدارة الأميركية على أنها في حال فوزها، سوف تصون العلاقة بين مصر وأميركا وتحترم اتفاقية السلام مع إسرائيل.

ولكي يضمنوا عدم معارضة الولايات المتحدة لوجودهم في السلطة، التزم الإخوان بتعهداتهم التي قدموها لأميركا في الوقت الذي كان فيه مرشدهم محمد بديع يدعو للجهاد في سبيل الله لاسترداد مدينة القدس والمسجد الأقصى. وفي رسالته في 11 أكتوبر (تشرين الأول) 2012، طالب بديع الأمة الإسلامية أن تجتمع على قلب واحد من أجل القدس وفلسطين، مؤكدا أن «الله سيخلص الأرض من رجس الصهاينة وفسادهم». وقال بديع: «ليعلم المسلمون وليستيقن المؤمنون أن استرداد المقدسات وصون الأعراض والدماء من أيدي اليهود لن يتم عبر أروقة الأمم المتحدة، ولا عبر المفاوضات، فالصهاينة لا يعرفون غير أسلوب القوة، ولا يرجعون عن غيهم، إلا إذا أخذوا على أيديهم، ولن يكون ذلك إلا بجهاد مقدس، وتضحيات غالية وكل صور المقاومة».

ورغم كل هذا الكلام الموجه إلى الجمهور المصري، فقد التزمت حكومة الإخوان باحترام اتفاقية كامب ديفيد، ولم يعد هناك صوت في مصر يطالب بإلغاء معاهدة السلام، ولا بحرب لتحرير فلسطين.. بل إن حكومة الإخوان في مصر هي التي تعهدت لأميركا وإسرائيل معا بمنع السلاح من الوصول إلى حماس في غزة عن طريق أنفاق سيناء.

ومع هذا، ورغم كل هذا التقارب بين أوباما والإخوان، لم يحدد الرئيس الأميركي موعدا حتى الآن لاستقبال محمد مرسي في البيت الأبيض.. ذلك أن كلا من الطرفين يدرك جيدا أنه يستخدم الآخر لتحقيق أهدافه، ثم ينتهي شهر العسل بينهما بعد ذلك. وبينما يريد الإخوان أن تساعدهم أميركا لتثبيت حكمهم في مصر قبل فض الشراكة، تأمل الولايات المتحدة في أن يقوم الشعب المصري بإسقاط الإخوان في مصر، حتى تتخلص من الكابوس الذي يهددها وأصدقاءها منذ ثمانين عاما.