براءة اختراع العجلة

TT

أخطاء العراقيين كثيرة، ومنها أنهم عندما اخترعوا العجلة في عهد السومريين لم يسجلوا براءة اختراع لها. فراح كل من هب ودب ينظر إليها ويعمل مثلها من دون أن يدفع فلسا واحدا عن حق الاختراع. فلو كانت بيدهم هذه البراءة لاستطاعوا أن يطالبوا كل هذه الشركات، شركات السيارات والطائرات والدراجات وألعاب الأطفال، بأن تدفع للعراقيين عن كل عجلة تصنعها، دولارا عن كل عجلة أمامية ودولارين عن كل عجلة خلفية، ولاستطاع العراقيون عندئذ أن يعيشوا منعمين إلى مدى الدهر ولما احتاجوا إلى النفط ولا الزراعة ولا المساعدات الأميركية أو القيام بأي شيء.

قلت ذلك لنايجل تاليس، خبير المتحف البريطاني المختص بالتراث السومري. قلت له إنكم تتقاضون منا ثمنا عن أي شيء نقتبسه منكم، حتى لو كان لقص الشعر، فلم لا تدفعون لنا عما اقتبستموه منا؟ قال: «لم يكن ذلك ممكنا، لأن السومريين لم يؤسسوا مكتبا لتسجيل البراءات، كما فعلنا نحن».

نايجل تاليس رجل مهووس بالعجلات والعربات السومرية، وقضى جل حياته في دراسة تاريخها وتطورها. ألقى محاضرة مفصلة في الموضوع في المركز الثقافي العراقي في لندن. استمعت إليه حتى خيل إليّ أن هذا الرجل لا بد أن والده أو جده كان عربنجيا. فقد وصل وصفه للعجلة السومرية إلى حد الغزل فيها. ولا عجب، فيعتبر اختراع العجلة من أهم الاختراعات في تاريخ الإنسان. تصوروا ماذا كان سيحدث لو لم تكن هناك أي عجلات؟ ما الذي كان سيفعله كل هؤلاء من المسؤولين الفاسدين عندنا بسياراتهم المرسيدس من دون عجلات؟ كيف يهربون عبر الحدود بملايينهم من دون عجلات تحملهم؟

بيد أن الشرح المفصل الذي قدمه الخبير الفاضل أعاد إلى نفسي ذلك السؤال الذي ما فتئ يحيرني بشأن شعوبنا العربية. بالطبع أنا أشير هنا إلى الشعوب العربية مجازا وتجاوزا لأقصد بها كل الشعوب التي عاشت في المنطقة منذ ألوف السنين. كيف حققت هذه الشعوب تلك المنجزات العجيبة في سائر الميادين؟ كيف بنت الأهرامات والجنائن المعلقة، ووضعت أسس العلوم والرياضيات، وطورت الحروف الأبجدية، ثم ذبلت وتلاشت؟

ما الذي حدث؟ هل تغيرت درجة حرارة الأرض، أو انحرفت الكرة الأرضية من محورها وأثرت على أدمغتنا ونفسيتنا؟ هل جاءت أقوام متخلفة أخرى واستولت على وطننا وحلت محلنا؟ هل نحن ننتمي حقا لأولئك الأفذاذ الذين أنجزوا كل تلك الأعمال؟ أنحن فعلا الأحفاد الشرعيون لأولئك العمالقة والعباقرة؟ أم نحن نتاج أقوام فطرية وفدت إلى منطقتنا وتركتنا بهذه الأجيال المعلولة والكسيحة؟ وأين ذهب رجالنا الجبابرة الذين قاموا بتلك المعجزات الحضارية؟ دعوني أقل لكم أين ذهبوا. رحلوا إلى الغرب كما نراهم يفعلون اليوم، وبنوا للغربيين مدنيتهم وتركونا نتخبط في جهالاتنا وخرافاتنا.