المتع الصغيرة

TT

المتعة غالبا هي خليط من الفرحة واللذة والأمان.

وفي بداية حياتي المدرسية الابتدائية لم أجد متعة تعادل فرحة النجاح غير بداية الإجازة السنوية، ولا يعكر تلك المتعة غير بداية تناقصها يوما بعد آخر.

هناك أمور لو انتبهنا لها لوجدنا أنها تساوي الذهب أو أكثر، كحضنك لطفلك، أو إحساسك بالراحة بعد أن أديت عملا ناجحا، أو خشوعك وأنت تستمع على حين غرة وقد ملأ نفسك اليأس إلى آية من القرآن الكريم تحثك على الصبر وتبشرك برحمة رب العالمين.

ما أروع أن تتلقى هدية غير متوقعة، أو تحلم حلما مزعجا ومرعبا، ثم تفيق منه وتكتشف أنه مجرد حلم، أو أن تذهب مرغما للكشف الروتيني الطبي الشامل على جسمك وقد أخذتك الشكوك والهواجس، ثم تظهر النتيجة أنك (صاغ سليم)، وهذا ما حصل لي قبل عدة أشهر، فأحسست أنني ولدت من جديد، ولولا الحياء لرقصت في المستشفى، غير أنني لم أستسلم فسهرت في تلك الليلة سهرة صاخبة حتى الصباح احتفاء بصحتي، غير أن النتيجة كانت للأسف عكسية، عندما تعرضت في اليوم التالي لوعكة (إنفلونزية) بسبب إفراطي في الحماسة الزائدة عن الحد، وظللت طريح الفراش لأربعة أيام.

وأذكر يوما أنني ذهبت للمطار للحاق برحلة مهمة، وبسبب الزحمة و(الترفك) تأخرت عن الموعد، فأخذت ألعن وأشتم، وما إن وصلت للمطار حتى عرفت أن الرحلة تأخرت ساعة، ففرحت فرحة لا توصف، وحمدت الله على الزحمة، وركبت الطائرة وأثناء الرحلة تعرضنا إلى مطبات هوائية مميتة وأقسمت أثناءها إنني لن أسافر جوا، وما إن هبطنا بسلام حتى تضاعفت فرحتي بالنجاة.

ومن أكثر الأمور متعة هي أن تأكل مع أحدهم في مطعم، وعندما تأتي فاتورة الحساب ينتشها هو من يدك ثم يحلف عليك بالطلاق إنه هو الذي سوف يدفعها، ولا تملك إلا أن تتظاهر بالاحتجاج، في حين أنك في داخلك تكاد تطير من الفرح.

وسبق لي أن تعرضت لموقفين كلاهما سبب لي شيئا من السعادة دون أخسر شيئا؛ الأول: عندما كنت في حديقة منزل أحدهم وشاهدت طائرا في قفص يتطلع للأشجار من حوله ولا يستطيع الوصول إليها، فانمعص قلبي، وما إن دخل مضيفي للمنزل لإحضار الشاي، حتى فتحت باب القفص بسرعة وأطلقت الطائر، لا أريد أن أحكي لكم التداعيات التي حصلت من جراء ذلك، ولكن باختصار خرجت دون أن أشرب الشاي.

والثاني: تقابلت صدفة مع امرأة دميمة لا أعرفها ولا تعرفني، فما كان مني كعادتي إلا أن أجاملها بكلمة غزل رقيقة، ففرشخت لي بابتسامة وكأنها تقول لي شكرا، ومضى كل واحد منا بمتعته إلى حال سبيله.

غير أن هناك متعة لم أجد ما يشابهها في لذتها، وقد مررت بها، وذلك عندما كنت أسير على قدميّ في أحد الأودية ورأسي يكاد ينفجر من صهد الشمس وريقي ناشف من شدة العطش، وعند المنعطف ظهرت لي فجأة شجرة ظليلة يجلس تحتها بعض الأفراد، فلم أملك إلا أن أنطرح بجانبهم فأسعفوني بكوب من الماء البارد، وكان الظل والماء في تلك اللحظة يعادلان عندي ثروة (كارلوس سليم) الآن.

[email protected]