دماء على ثوب السياحة المصرية

TT

بالقطع ستؤدي كارثة سقوط البالون بالبر الغربي للأقصر لانكماش حركة السياحة في مصر. وذلك بعد أن أدت المظاهرات والاحتجاجات الفئوية التي اجتاحت مصر بعد ثورة يناير، إضافة إلى انعدام الأمن بالشارع المصري، إلى انهيار السياحة الثقافية، التي تعتمد بالأساس على المزارات الأثرية والمتاحف، خاصة في القاهرة والأقصر وأسوان، والتي اختفى منها السائح الأجنبي والعربي تماما.

وهنا أنا لا أدعي البطولة أو بعد النظر، ولكن من واجبي أن أنقل للقارئ ما حدث معي في عام 1997، حينما طلب منى أحد مقدمي البرامج في تلفزيون أجنبي أن أقوم بجولة معه في البالون الطائر بالأقصر وشرح المناطق الأثرية من معابد ومقابر يمر عليها البالون خلال رحلته، ولكن الذي حدث هو أنني عندما شاهدت المكان الذي يطير منه البالون، ورأيت مدى الإهمال وسوء التنظيم وطريقة الإقلاع، اتفقت، ومعي فريق التلفزيون، أن ركوب هذا البالون ليس آمنا وبه خطورة واضحة، وعندما عدت إلى القاهرة حدثت فاجعة اصطدام بالون بأحد أعمدة الكهرباء، ولولا العناية الإلهية لكانت هناك كارثة محققة بصعق جميع ركابه. بعدها طالبت المسؤولين عن تشغيل البالون بوقفه نهائيا، ومنعه من الطيران فوق المواقع الأثرية، حيث كشفنا بعد تلك الحادثة أن البالون يهبط في أحيان كثيرة بالدير البحري، حيث معبد الملكة حتشبسوت، وهو من أجمل المعابد الفرعونية، وكذلك يهبط في منطقة وادي الملوك والملكات، وهما من المناطق الأثرية التي لا مثيل لها بالعالم كله، كذلك حدث في بعض المرات هبوط البالون في موقع يسمى الملقطا، وبه أطلال قصر الملك أمنحتب الثالث الذي شيده لمليكته المحبوبة القوية؛ الملكة تي. كان طلبي من المسؤولين واضحا لصالح أمن السائحين وأمن المناطق الأثرية التي لا تعوض ولا يمكن قبول المخاطرة بها. هذا ناهيك عن التلوث البصري الناتج عن طيران البالون فوق الآثار. ومع الأسف الشديد، غلّب المسؤولون المنفعة القريبة على المنفعة العامة، وانقلبت الدنيا بعد الخطاب الذي أرسلته للطيران المدني، وصالت الشركات السياحية المستفيدة من البالون، وادعوا أن وقف البالون سيضر السياحة والعاملين في مجال البالون الطائر، وسيؤدي إلى رسالة سلبية عن السياحة في مصر، وبالطبع هذا الكلام لا مجال له من الصحة، حيث إن المنطق لا يقبل بوجود ما يهدد حياة البشر والآثار بدعوى تنشيط السياحة، والقول إن البالون آمن بدليل عدم حدوث وفيات أو إصابات من حوادثه في ذلك الوقت قول مرفوض جملة وتفصيلا؛ فلا يمكن قبول منطق انتظار الكارثة حتى تقع لكي نقبل أو نرفض بعدها وجود البالون!! فما هو الحل الآن وهناك 19 نفسا بشرية من مختلف الجنسيات قد قضت وماتت محروقة؟!

ولأن المصائب لا تأتي فرادى، فقد سمعت عن اتخاذ خطوات فعالة لعمل «تلفريك» في الأقصر وأسوان، وكأننا نأبى أن نحافظ على سحر الطبيعة بمواقعنا الأثرية، ونفعل كل ما باستطاعتنا لتشويهها، وكأن المهم فقط هو الدولار ولا شيء آخر.. أيها المسؤولون كونوا مرة واحدة مسؤولين وحكِّموا ضمائركم قبل عقولكم وجيوبكم!