بيانات سعودية

TT

ليست هذه هي المرة الأولى التي يكون فيها حراك سياسي متزامن، بين نشطاء سعوديين، مختلفي الطوائف، وربما التصورات النهائية للشكل المثالي للدولة المتوخاة. بين أقصى اليمين «الجهادي» السني، إلى أقصى اليسار الشيعي. وما بينهما من أطياف.

قبل أيام صدر بيان وصف بأنه يمثل مشايخ «القطيف» وأكاديمييها، ضد بيان السلطات السعودية حول الإيقاع بشبكة تجسس داخلية تعمل لصالح دولة أجنبية. والبيان ممهور بأسماء، من أشهرها في المشهد الشيعي الداخلي، الشيخ حسن الصفار، والدكتور توفيق السيف.

أبرز الأفكار التي دار عليها البيان «الوجيز» اتهام بيان السلطات السعودية حول الشبكة التجسسية بأنه مريب، ومرفوض، والغرض منه استغلال التوتر الطائفي - (المتحدث باسم الداخلية اللواء منصور التركي لم يذكر كلمة شيعة ولم يحدد دولة إيران) - لصرف النظر عن مطالب الإصلاح السياسي وإنهاء ملف المعتقلين.

قبل هذا البيان، صدر بيان ساخن من أحد رموز تيار «الصحوة» في السعودية وهو الدكتور سلمان العودة، دار في جله حول موضوع المعتقلين، إلا أنه كان أكثر حدة في التخويف من القلاقل والاحتقان إن لم يتم الاستجابة لمضامين هذا البيان، حيث يخبرنا الدكتور العودة، حسب نص بيانه بأن: «الثورات إن قمعت تتحول إلى عمل مسلح، وإن تجوهلت تتسع وتمتد، والحل في قرارات حكيمة وفي وقتها تسبق أي شرارة عنف».

منذ فترة من الزمن وهناك تطور في النشاط السياسي لدى التيارات الإسلامية، السني منها والشيعي، حول توحيد المطالب و«جبهنة» الحراك، أي جعله بصيغة جبهوية فضفاضة، تخفي التناقضات الثقافية والآيديولوجية مرحليا، تجلى ذلك في فترة ازدهار البيانات منذ 2003، ثم خفوتها بعد ذلك، لتعود «جذعة» مع هبة الفوضى السياسية المسماة بالربيع العربي، والتي يئن منها الآن، في مصر مثلا، من حرك حطب نارها بالأمس.

في هذه المساحة المختصرة نتوقف عند بعض الأمور، إلى حين أرحب مساحة ووقتا:

* يوحي كلام البيان الذي وقع عليه الشيخ الصفار وغيره، بأن سلوك التجسس الإيراني مفاجئ وجديد ومفتعل، والحق أنه سلوك دائم ومستمر، ومنهجي، في اليمن وحده كشف عن أكثر من شبكة تجسس مؤخرا، وضج الرئيس عبد ربه منصور هادي من ضراوة الاختراق الإيراني الذي وصل إلى حد إرسال شحنات السلاح، ناهيك عن شبكات الكويت والبحرين، وغيرها. كما أن الهجوم الإعلامي والسياسي على السعودية قائم من إيران وشبكاتها، ولا ننس محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن، والهجوم على «سيرفر» شركة «أرامكو».

* التجسس والارتباط الخارجي، ليس سلوكا حكرا على إيران، ولا على طائفة ما، بل هو عمل سياسي خفي من أعمال الدول والجماعات باستمرار، بدرجات متفاوتة، زاد مؤخرا بسبب الاضطراب الحاصل في الإقليم، وكلنا نعلم عن شبكة الإخوان المسلمين المضبوطة في الإمارات، وكلام رئيس الحكومة الكويتية عن وجود أشخاص كويتيين مرتبطين بهم، في جلسة البرلمان.

* الاختلاف ليس على «أحقية» المطالبة بعدالة الحكم والتقاضي، وتوفير الضمانات العدلية المطمئنة، هذا كلام حق وصدق، ولا يخالفه عاقل، ولكن الاعتراض هو على التوظيف السياسي له، وربما قيل: من حق من لديه تصور سياسي مختلف أن يستثمر الظروف كلها، ويوجه طاقة الجمهور لصالح أفكاره، ونقول ربما كان هذا صحيحا بمعيار الواقعية الخشنة، ولكن يماثله في الصواب أيضا حق من يخالف هؤلاء في عدم تصديق الكلام التعبوي المعلن، ووضع اليد على الجانب السياسي المضمر من هذا الكلام.

بكلمة واحدة، نحن نعيش لحظات جماهيرية وإعلامية خصبة، وضجيج منابر، وزحمة مواقف، يختلط فيها كل شيء، وثمة تسييس حاد ومسرف لكل شأن، ومن الطبيعي أن يحاول كل طرف، لأسباب عقائدية صادقة، أو طموحات شخصية جامحة، أن يحول مجرى الماء إلى جدوله، ولكن الأهم هو حماية الكيان من الاضطراب الذي نخوف به، وأن لا يضيع في الزحمة صوت العقل البارد تحت لهيب الشعارات النارية..

ليس المهم ما تراه العيون، بل ما تدركه البصائر.

[email protected]