فوق القبة الحديدية.. قبة دبلوماسية

TT

وكأن إسرائيل لا تكفيها التطمينات الأميركية على أمنها بعد تزويدها بنظام «القبة الحديدية» المضاد للصواريخ، ليرفقه الرئيس باراك أوباما، في زيارته الأخيرة لتل أبيب، «بقبة دبلوماسية» أبعد مدلولا، وذلك في تأكيده التزام الولايات المتحدة «الذي لا يتزعزع بأمن إسرائيل» والذي وصفه بأنه «ثابت كالصخر». وخشية ألا يكون هذا الالتزام العلني كافيا لطمأنة قلوب بعض الإسرائيليين، أكد الرئيس أوباما، كأنه في معرض امتحان وجداني: «أنا واثق بقولي إن تحالفنا أبدي... إلى الأبد».

سبحان من كتبت له الأبدية في الدنيا والآخرة!

ولكن، من كتب لهم التشتت وشظف العيش في الخيم هربا من الإرهاب الإسرائيلي عام 1948 وبطش «الدولة» بهم في ما بعد.. كانوا ينتظرون من القيم على الدولة الأعظم في القرن الحادي والعشرين تطمينا ما على مصيرهم ومستقبل عوائلهم، قبل أمن إسرائيل القومي والإقليمي.

بصرف النظر عن دوافعه السياسية، كان لافتا أن تغيب عن كلمة الرئيس الأميركي في مطار بن غوريون أي إشارة إلى «حل الدولتين»، بينما كان بنفسه قد طالب رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بوقف الاستيطان اليهودي للأراضي الفلسطينية وإعلان التزامه بحل الدولتين.

هذا كان في مطلع ولايته الأولى وقبل أن يختبر عمليا حجم النفوذ الصهيوني على «الكونغرس».

أما في مطلع ولايته الثانية، فإن أقصى ما سمعه الفلسطينيون منه كان مجرد إشارة عامة إلى أن السلام يجب أن يحل في الأراضي المقدسة.

أما كيف.. فالأمر متروك لبنيامين نتنياهو - كما يبدو حتى الآن.

من المتعارف عليه، دبلوماسيا، أن الخطب العلنية لا تكشف، بالضرورة، عن كل المواضيع التي يتطرق إليها الأقطاب في اجتماعاتهم المغلقة.

ولكن، حتى في حال توظيف هذه النظرية في خانة إضفاء «فائدة الشك» على خطاب الرئيس أوباما في مطار بن غوريون، لا يسع المتابع «للإشارات الرسمية» التي تضمنها الخطاب إلا أن يستنتج أن الرئيس الأميركي ربما بالغ في تأكيداته العلنية لالتزام دولته الأبدي بأمن إسرائيل لغاية تتجاوز مجرد تطمين الإسرائيليين على أمنهم – خصوصا أنهم لمسوا هذا الالتزام في أكثر من مناسبة واحدة وينعمون اليوم بالعيش تحت مظلته.

إلا أن تأكيد مسؤولين أميركيين أن أوباما لا يحمل أي مبادرة سلام معه، وتزامن تطميناته مع الكشف عن زيارة سيجريها وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل لإسرائيل، بعده بقليل بغية «تعزيز التعاون» بين البلدين.

وانطلاقا من اتفاق معظم وسائل الإعلام الأميركية والإسرائيلية على أن ملف إيران النووي كان على رأس جدول مباحثات أوباما في تل أبيب.. يمكن استنتاج أن هدف المبالغة في التطمينات الأمنية الأميركية هو إقناع نتنياهو بعدم التفرد بعمل عسكري ضد إيران قد يعيد توريط واشنطن في «مغامرة» خارجية، في وقت لم تنته فيه الإدارة الديمقراطية، بعد، من لملمة تبعات «مغامرات» الإدارة الجمهورية في الخارج.

هذا لا يعني أن نتنياهو لم يبالغ، بدوره، في تضخيم خطر التطوير النووي الإيراني على بلاده بقدر ما بالغ في الترويج لقدرتها على التصدي له، منفردة.

إلا أن دولة مثل الولايات المتحدة، تملك جهازا استخباراتيا بمستوى الـ«سي آي إيه»، لا بد أن يكون رئيسها مطلعا على تطورات التطوير النووي الإيراني من جهة، والطاقات العسكرية الإسرائيلية لردعه من جهة ثانية، وبالتالي مطلعا على المعطيات الواقعية الكافية للجم جموح نتنياهو العسكري وإقناعه بالانضمام إلى المساعي الدولية التي تقودها واشنطن في دعوتها طهران للحد من طموحها النووي وفي الوقت نفسه تحذيرها من مواجهة المزيد من العزلة في حال رفضها ذلك.

... هذه نقطة تسجل للرئيس أوباما، إن أحسن التعامل معها. ولكن ذلك لا يمنع التساؤل عن «الخدمة الدبلوماسية» التي قدمها ملف إيران النووي للقضية الفلسطينية بتحوله إلى القضية الشرق أوسطية الأولى، في هذا الظرف بالذات.