جندي حسن الحظ وسوء الطالع

TT

تنقل بوريس بيروزوفسكي بين حسن الحظ وسوء الطالع مثل جندي مجنون. عندما سقطت الشيوعية كان مهندس غابات يعيش على دخل لا يختلف عن دخل سواه. لكن انهيار النظام شكل بالنسبة إليه، وإلى غيره، فرصة الإبحار في محيط من المال السهل. استغل بيروزوفسكي شركة صناعة السيارات المتخلفة، ثم راح مع الثروة المتزايدة يستغل كل شيء آخر. ازدهرت المافيا الروسية فازدهر معها، وسال لعاب بوريس يلتسين الممزوج بالفودكا للمال السريع، فأعطاه بيروزوفسكي منه ما يفجر اللعاب والفودكا. وطابت لمهندس الأخشاب صناعة اللعب السياسية فراح يؤسس مصنعا كاملا لها. فلاديمير بوتين كان، كما يقال، أنجح نماذج الإنتاج.

في علم النفوس أن المصنوع عندما يكبر، يكره الصانع. تفاقمت في موسكو تصرفات المافيا وتصفيات رجالها، فهرب البعض إلى الخارج. في أميركا، دفعت المافيا الروسية المافيا الإيطالية إلى المرتبة الثانية للمرة الأولى في التاريخ. ولندن، هذه الشاطرة اللعينة التي تتأهب لاستقبال الثروات الهاربة، رحبت أيما ترحيب بالرفيق بوريس الهارب من الرفيق فلاديمير، ورحبت بسواه، وارتفع معدل البقشيش في مرقص «أنابيل»، الذي تملكه صديقة الأميرة ديانا، من مائة جنيه إلى عشرة آلاف روبيل.

وطفق بوريس يشتري كل ما يباع. الصحف والتلفزيونات والفنادق ومياه التيمس. لم لا؟ لقد باعت المدينة جريدة «التايمز» لأسترالي - أميركي، وباعت «الرولز رويس»، بانية سيارات التاج إلى الألمان، وباعت «الجاغوار» إلى الهنود، الذين كانوا يحملون الضابط البريطاني في موكب من الأفيال المزركشة.

«المفاجآت المريرة تأتي متسلسلة»، يقول المثل الفرنسي. قرع سوء الحظ باب مهندس الأحراج والغابات ووقف على العتبة وظل يقرع، وأخذ الرجل الذي ربح كل شيء يخسر كل شيء: الدعاوى المالية المقامة عليه، خسرها. الشركات التي يملكها بالجملة، خسرها. اللوحات التي جمعها مثل حبوب الحمص خسرها مثل حبوب الشعير. والمرأة التي أعطته الأبوة من أولاده، صفقت الباب خلفها ومضت إلى عنوان آخر لا تثقله الديون والخسائر.

عندما عثر عليه ميتا يوم السبت في آخر منزل يملكه في أسكوت، بلدة الأثرياء والنبلاء، أصدر الكرملين بيانا يقول: إن بيروزوفسكي، كان قد بعث برسالة إلى بوتين قبل أشهر: «يتوسل فيها السماح له بالعودة إلى البلاد». هذا هو الإنجاز الوحيد الذي حققه بوريس: لقد مات قبل أن يقرأ تعليق فلاديمير.