هل العلمانيون المصريون على حق؟

TT

كان الدستور المصري الجديد، الذي يعتبر وثيقة مقلقة بالنسبة للنساء والصحافيين والأقليات الدينية بالمثل، نقطة اللاعودة بالنسبة للمراقبين الذين كانوا قد منحوا بعض المصداقية لمحمد مرسي. فبعد توقيعه في ديسمبر (كانون الأول) الماضي الذي جعل الدستور ملزما من الناحية القانونية، وجه للرئيس المصري وقيادات جماعة الإخوان المسلمين سيل من الانتقادات. فقد اتهموا بأنهم يرسمون صورة للاعتدال والعقلانية، فيما ينتظرون بنفاد صبر أن يأتي دورهم في تولي مقاليد السياسة المصرية، ليخلعوا ذلك القناع ويكشفوا عن الوجه الحقيقي لطموحاتهم الاستبدادية.

وفيما وراء العجز الأخرق لجماعة الإخوان المسلمين (وفي رأي البعض عدم الاستعداد) عن بناء إجماع بشأن القضايا المحورية، مثل الدستور الجديد وموعد إجراء الانتخابات البرلمانية، يعتبر جانب من هذه الانتقادات في موضعه الصحيح. على سبيل المثال، لننظر إلى تركيز جماعة الإخوان المسلمين على قضايا مثل شرب الكحول، الذي كان بمثابة تنازل من قبل حزب «النور» السلفي الحليف لجماعة الإخوان المسلمين، مع تجاهل مخاطبة قضايا محورية خطيرة مثل زيادة العجز في الميزانية ونقص الغذاء والطاقة، على الوجه الملائم.

بيد أن اتهام قيادات الإخوان المسلمين بأنهم معنيون في المقام الأول بضمان بقائهم في السلطة أكثر من أي شيء آخر حجة مقنعة. كذلك، يبدو من الصعوبة بالمثل دحض مزاعم مفادها أنهم قد جعلوا الولاء للجماعة له الأولوية على الخبرة والكفاءة فيما يتعلق بالتعيينات في المناصب الحكومية الهامة. وتثبت الشائعة التي تتردد بشكل دائم حول التدخل الوشيك من قبل الجيش للقضاء على كارثة محققة، الأداء الضعيف لمرسي وجماعة الإخوان المسلمين حتى الآن، بصرف النظر عن كون مثل هذا التدخل بعيد الاحتمال.

غير أنه إذا ما أمكن اتهام جماعة الإخوان المسلمين بارتكاب بعض الأخطاء الفادحة، فماذا عن موقف المعارضة العلمانية حتى الآن؟ بعبارة أدق، كيف يمكن للمرء تفسير قرارهم بمقاطعة الانتخابات البرلمانية المقبلة التي لم يحدد موعدها بعد؟

بعد أقل من ثمان وأربعين ساعة من إصدار مرسي المرسوم الذي يدعو للانتخابات، نشر محمد البرادعي، أحد الذين حاولوا الترشح للانتخابات الرئاسية تغريدة على موقع «تويتر» يدعو فيها لمقاطعة المعارضة للانتخابات، وهو ما يبدو أنه قد تم من دون استشارة قيادات المعارضة الآخرين.

لم يخف رموز معارضة معروفون آخرون سر حقيقة أن هذا القرار يرمي إلى تجنب إضفاء مزيد من الشرعية على مرسي وحزب الحرية والعدالة. تعتبر كلماتهم واضحة، حتى وإن كان مقصدهم هو تلطيف الأمور قليلا بعد خطوة البرادعي المتهورة.

وفي حديث أدلى به إلى صحيفة «الشرق الأوسط» مؤخرا، برر أحمد البرعي، أحد قيادات جبهة الإنقاذ الوطني، مقاطعة الانتخابات بشعور المعارضة أن «هناك غيابا لسيادة القانون في مصر»، فضلا عن كون المشكلات الأمنية والاقتصادية من الضخامة الشديدة بالدرجة التي يصعب معها إجراء انتخابات أخرى عما قريب.

وأوضح عمرو موسى، وهو قيادي بارز آخر بجبهة الإنقاذ الوطني، لصحيفة «الشرق الأوسط» قبل بضعة أسابيع، أنه يفكر في مقاطعة الانتخابات البرلمانية بسبب اختلافه مع سياسات مرسي، على الرغم من اعترافه بأن الرئيس منتخب ديمقراطيا. قال عمرو موسى: «نحن لا ننكر حقيقة أن الرئيس منتخب ديمقراطيا وأنه رئيس البلاد، ولكننا نختلف معه في اختياراته. هذا حقنا كمواطنين». وأضاف: «تفضيلي الشخصي فيما يتعلق بالانتخابات دائما ما يتمثل في خوض السباق الانتخابي والمشاركة في العملية الانتخابية، لكن مصر تمر بظروف خاصة، معظمها سلبي والأولويات مختلطة».

منذ الإطاحة بمبارك، منحت كل الاقتراعات التي أجريت في مصر - باستثناء الانتخابات الرئاسية - الإسلاميين انتصارات ضخمة. وتعتبر الموافقة الشعبية على الدستور مثالا آخر على هذا. ومع ذلك، فربما تقلب الانتخابات المقبلة هذا الاتجاه رأسا على عقب. هناك تقارير تفيد بأن أعضاء سابقين بجماعة الإخوان المسلمين في حالة إحباط شديد من الجماعة إلى حد أنهم على استعداد للتحالف مع أحزاب المعارضة العلمانية.

علاوة على ذلك، فقد تدنت شعبية مرسي في الجامعات. لا يزال من الواضح أن الإسلاميين هم المفضلون، لكن ذلك يرجع إلى إخفاق من جانب المعارضة في انتهاج سياسات بناءة وفي استغلال الانهيار المتزايد لشعبية مرسي في صناديق الاقتراع، الأمر الذي يمكن أن يمنح الإسلاميين انتصارا ساحقا آخر.

إن أحزاب المعارضة محقة في تحفظاتها الجادة على سجل أداء مرسي وجماعة الإخوان المسلمين حتى الآن. ولكن بالنظر إلى تزايد الاحتجاجات في الشوارع والاعتقالات وتفاقم حالة عدم الاستقرار، يصعب تخيل ما يأمل قادة جبهة الإنقاذ الوطني في تحقيقه من مقاطعة الانتخابات والرفض الدائم للحوار مع الحكومة، فضلا عن دعمهم الضمني للعصيان المدني.

ثمة تبعات أخرى بعيدة المدى، ربما تكون أكثر خطورة، لخيار المواجهة. فبرفض قادة الجبهة المشاركة في الانتخابات البرلمانية، ربما توجه المعارضة العلمانية الضربة القاضية للمسار الديمقراطي الذي وقع اختيار السواد الأعظم من المصريين عليه. الرسالة الضمنية الكامنة خلف سياسة المقاطعة هذه بسيطة، ألا وهي أن هذه الجماعات لا تدعم الديمقراطية والانتخابات إلا إذا أتت النتيجة في صالحها.

إن المشهد السياسي المصري ما زال يخيم عليه الافتقار إلى ثقافة سياسية ديمقراطية. وينعكس هذا جليا داخل كل من الحكومة والمعارضة. تزعم المعارضة أن لديها خططا بديلة بناءة لمستقبل مصر؛ غير أنهم حتى الآن لم يفعلوا شيئا سوى أن تبنوا سياسات غير واقعية وأثبتوا أنهم على درجة هائلة من الانقسام.

إن الانتظار حتى يرتكب مرسي وجماعة الإخوان المسلمين أخطاء أكثر أو إلى أن تندلع ثورة أخرى تسقط مرسي وحزب الحرية والعادلة ليس بالاستراتيجية المسؤولة. إن مصر واقتصادها لا يمكنهما تحمل العودة إلى الماضي القريب. فضلا عن ذلك، فإنه من غير المعقول (ناهيك عن كونه متناقضا مع مبادئ الثورة) الإشارة إلى تدخل الجيش في إدارة شؤون البلاد كاحتمالية من دون وجود جوانب خطيرة خفية، مثلما أشار بعض رموز المعارضة.

وكشف استطلاع «بيو» أجري العام الماضي، وأعيد نشره على الموقع الإلكتروني الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين الذي ينشر مواده باللغة الإنجليزية، عن أن 66 في المائة من المصريين يرون أن الإسلام ينبغي أن يلعب دورا محوريا في الحياة العامة. إن على المعارضة المصرية أن تولي اهتماما لهذه الحقيقة. فمتظاهرو ميدان التحرير لا يمثلون السواد الأعظم من المصريين. وقبل التفكير في حكم مصر، يتعين على المعارضة المصرية أن تثبت كونها بديلا موثوقا به في إطار قواعد اللعبة، حتى وإن كانت هذه القواعد موضوعة من قبل جماعة الإخوان المسلمين.