هل استسلمت أميركا أمام النووي الإيراني والكوري؟

TT

قررت الولايات المتحدة نشر 14 منظومة للدفاع ضد الصواريخ على أراضيها، ليصبح عددها 44 منظومة بحلول عام 2017، لمواجهة تطور الصواريخ الإيرانية والكورية الشمالية. وهو قرار أعطى انطباعات حساسة لدى حلفاء أميركا، والدول الأقرب ضمن مديات الصواريخ للدولتين المحسوبتين من ثلاثي «محور الشر»، وفقا لتصنيف قديم لإدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن، ولا يزال ساريا، رغم تجنب إدارة أوباما التركيز عليه، تفاديا لما يتعارض مع الاستراتيجية الجديدة للمسائل الاستراتيجية المرتبطة بالسياسة الخارجية وقواعد التدخل العسكري الخارجي، التي بدت ملامح التراجع الشامل فيها واضحة، بعد حربي العراق وأفغانستان، حيث تجسد النهج الجديد في حربي ليبيا وسوريا.

وخلال زيارته الأخيرة إلى إسرائيل، أشار الرئيس أوباما إلى أن إسرائيل لا تنتظر موافقة أميركية في المسائل المتعلقة بأمنها الوطني، ما فسر بأنه بمثابة تخل عن المحاولات الأميركية السابقة لثني إسرائيل عن مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية بعمل منفرد، قد تترتب عليه ردود فعل تمس أمن المصالح الأميركية، وتعرض أمن الخليج وتدفق النفط عبر مضيق هرمز إلى مخاطر مفاجئة غير محسوبة، لم تتخذ التدابير اللازمة لمعالجتها عسكريا. وهو ما هددت به إيران بشكل واضح وصريح مرارا، لمحاولة توليد ضغط دولي على تل أبيب، لمنعها من وضع تلويحها المستمر باستخدام القوة موضع التنفيذ، بحكم الانعكاسات الأمنية لأي عمل عسكري منفرد.

لا شك في أن العقوبات الدولية، كانت قاسية على الاقتصاد الإيراني، مما يعكس درجة عالية من تقدير أهمية البرنامج النووي الإيراني لأهداف بعيدة الأمد، لأن من غير المعقول أن تتحمل دولة كل هذه الحزم المتعاقبة من العقوبات المؤذية، يصل حجمها في النتيجة إلى مئات مليارات الدولارات، وتتأثر بها الحياة المعيشية للمواطن البسيط، لو لم تكن للبرنامج غاية تستحق التضحيات الضخمة من وجهة نظر القيادة الإيرانية، تتعدى مسألة الطاقة المتوافرة لدى إيران والمنطقة لعقود زمنية طويلة مقبلة، وكما قال الشاعر: «ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر»، والحسناء هذه هي لب الخلاف بين إيران من جانب، وأميركا وحلفائها ودول المنطقة من جانب آخر.

في عصر التطور النووي، والتحولات الفكرية، وتعاكس المصالح، وضعف مجلس الأمن، فإن العالم يبقى في حاجة لشرطي قوي، يمنع حالات الانفلات العام بما يؤثر على الأمن العالمي. وقد نهضت أميركا بهذه المسؤولية بطريقة وأخرى بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أنها لم تحسن طريقة التنفيذ الملائمة والمنصفة. فكثيرا ما فسرت الحرب العادلة ضمن مفهومها، الذي لا يتفق عليه حتى قسم من حلفائها، وأغوتها قوتها العسكرية في حالات معينة، وأرهقها ترددها الفظيع في حالات أخرى.

وجسد التردد في القرار في أحداث ما بعد حرب العراق الأخيرة، خللا خطيرا في قواعد العمل العسكري. فقد أثبتت الاستراتيجية الأميركية فشلا ذريعا في مجابهة التدخلات الإيرانية والسورية المسلحة في العراق، التي استهدفت الوجود الأميركي وغيره، ومل العالم من التصريحات والتوضيحات الأميركية المتكررة خلال تلك المرحلة.

على الرغم من كل العقوبات، لم تواصل كوريا الشمالية تنفيذ برنامجها النووي والصاروخي فحسب، بل استخدمت لغة تهديد نووي علني، ولم يكن من خيار آخر فعال لدى العالم في مجابهة هيستيريا الحاكم الكوري الشمالي. وهو ما قدم مثلا محفزا للقيادة الإيرانية لتعزيز روح التحدي، دون التفات جدي للاختلافات بين الحالتين الكورية والإيرانية، إلا أن سياسة أوباما الأقرب إلى التسليم أمام التحديات كانت سببا في إصرار المقابل ودليلا على مرحلة تقوقع أميركي خلف أمواج المحيطين (الأطلسي والهادي).

تهديد المرشد الإيراني الأعلى بمحو تل أبيب وحيفا - إذا ما هاجمت إسرائيل منشآت بلاده النووية - يأتي في مرحلة دولية مختلفة عن المرحلة التي هدد فيها صدام بحرق نصف إسرائيل، إذا ما هاجمت منشآت العراق النووية، فالحالتان مختلفتان.

إلا أن تهديد المرشد لا يوقف إسرائيل لو ضمنت القدرة على تدمير كل البرامج الإيرانية وليس عرقلتها. ويعطي القرار الأميركي ببناء المزيد من منظومات الدفاع ضد الصواريخ أفضل صورة للتقوقع الأميركي، مما يفتح بابا واسعا لسباق تسلح تقليدي ونووي، في ظل توافر قدرات مالية ضخمة، تساعد في تلبية قدرات الدفاع الاستراتيجي للبلاد المعنية، ولو كان للنووي دور حاسم لمنع تفكك الاتحاد السوفياتي.