.. وركبنا فيل البيئة الأبيض!

TT

الصقيع ينشب مخالبه الثلجية للأسبوع الثالث، وبرودة لندن، ظهرا، 32 فهرنهايت (صفر مئوية) بعد تسخين الشمس للجو لسبع ساعات (3 تحت الصفر ساعة الشروق)، وجرف الثلج من مدخل البيت مجهود سيزيفي، حيث تعيد الرياح الشمالية القارسة تكثيفه في ساعتين.

صقيع قوم عند قوم شركات الطاقة فرصة لرفع ثمن غاز التدفئة والطهو رغم زيادة تعريفة الفواتير في مطلع العام بأرباح لحملة الأسهم (أربعة من مديري كبرى شركات الغاز تلقوا، هذا الأسبوع، في ما بينهم، ما قيمته 25 مليون دولار حوافز)، مما دفع الصحافة ونواب البرلمان إلى توجيه انتقادات، بحدة رماح الإسكندر الأكبر، إلى مديري شركات الطاقة المتمتعين بجلد أشد مناعة من صفائح الدبابة السوفياتية (تي - 72).

غربان مصلحة الأرصاد الجوية تبشرنا باستمرار بإمساك الجو بسياط الجليد فوق ظهورنا طوال شهر مقبل. أي عقوبة بالسجن لثلاثة أسابيع، إجازة عيد الفصح مع الأولاد داخل المنزل، وشجار على ألعاب الفيديو؛ أو غرامة أربعة آلاف جنيه (بفوائد بطاقات الائتمان) لنفيهم والهانم مؤقتا إلى مكان دافئ بالطائرة.

وصقيع قوم فرصة لقوم اللوبيات الخضراء التي «طلعت شيطاني» (باللغة المصرية: نباتات طفيلية تزاحم المحصول غذاءه وتكلف الفلاح مصاريف باهظة للتخلص منها لتعاود الظهور بعد أيام قليلة) بعد «هوجة» تغير المناخ، والاحتباس الحراري (حملته اللوبيات الخضراء مسؤولية الصقيع)، ميثولوجيا أخذناها «فوق البيعة» عندما اشترينا الترام الأخضر في مؤتمر الأرض في ريو دي جانيرو، بأرقام ادعى «علماء» البيئة أن الصناعة، وإلكترونيات وادي السيليكون، والسوق الرأسمالية الحرة، وما يحرك الاقتصاد العالمي مسؤول عنها، وأفتوا بضرورة تقليل عوادم المحروقات.

توقعنا أن يأتي علماء البيئة الأفذاذ بابتكارات تقينا ما أصاب جيران بركان فيزوف، لكن لم تتفتق عبقرياتهم إلا عن ابتكار ضرائب باهظة تفرض على وقود لا يمكن الاستغناء عنه في التدفئة والطهو والسفر، خاصة السيارة (ضرائب البنزين، والإكسسوار، وغسيلها، أو حتى النظر إليها والمحرك في سكون أهل الكهف).

الغريب أنه في الوقت نفسه من العام الماضي، اتهم اللوبي الأخضر «الاحتباس الحراري» بجريمة ارتفاع الحرارة (الفارق بين العامين 18 درجة مئوية) عن المعدل السنوي.

الأكثر غرابة، أن تنبؤات بروفسورات التغيير البيئي بانصهار القمم الثلجية الاسكندنافية (مسببة فيضانا لم تشهد الدنيا مثيله منذ أن ألقى نوح بالمرساة على الجودي) «طِلعِت فالصو». واتضح تلاعب الباحثين بالأرقام في جامعة بريطانية تعتمدها الأمم المتحدة مصدرا أساسيا في حكاية التسخين الحراري، بعد كشف صحافيين عن بريد إلكتروني متبادل بينهم وبين علماء بيئيين مؤمنين بالنظرية التي اخترعوها (تغافل الإعلام اليساري عن نشر هذه المعلومة البسيطة، واضطرت الـ«بي بي سي» إلى بث الخبر مختصرا فقط بعد أشهر من شكوى آلاف المستمعين من دافعي رخصة البث). الأغرب من الأكثر غرابة، أن أشد اللوبيات اليسارية الخضراء تحمسا لإغلاق محطات الطاقة في بريطانيا، ومصادرة سيارتنا لنختار قسرا بين ركوب الباسكليت أو الحمير، لا توجه هذه الدعوات إلى الصين (حيث معدل بناء محطات توليد كهرباء بالفحم الحجري واحدة كل ثلاثة أيام، ويفوق عادم محطات الطاقة الصينية في 27 يوما كل يخرجه الصناع والمستهلكون في بريطانيا - حتى مصابيح معسكرات الكشافة في عام)، بحجة أن الصين تأخذ دورها في اللحاق بالعالم الرأسمالي. هل العادم المتدفق من مدخنة محطة طاقة رأسمالية يختلف شكلا، وتأثيرا على الجو والرئة، عن ذلك المتدفق من مدخنة محطة اشتراكية؟

ربما عند علماء البيئة الخضراء الإجابة.

قانون تغير المناخ، واتفاقيات حكومة توني بلير مع الاتحاد الأوروبي بتوليد ثلثي الطاقة من «مصادر متجددة» خلال عشرة أعوام، أركبا فيلا أبيض اسمه طاقة الرياح، بدعم مليار و600 ألف دولار في 2012، تدخل جيوب ملاك الأراضي المقامة عليها. مركز ريدنغ (60 كيلومترا غرب لندن) لتوليد الكهرباء من الرياح يتلقى 200 ألف دولار دعما سنويا وينتج كهرباء بـ120 ألف دولار فقط. ولأن الرياح مثل عواطف حواء، تحتاج مراكز طاقاتها إلى محطات توليد كهرباء «احتياطي» تحرق الغاز بلا توقف لتولد الكهرباء عندما تسكن الريح، أو تتحول لزوابع. منذ إنشائه في 2008، لم تتجاوز طاقة مركز ريدنغ 17% مما قدرها مهندسو الطاقة الخضراء.

وزير الطاقة والتغيير المناخي («اليافطة» ابتكرتها حكومة بلير بعد شراء نواب البرلمان ترام التغيير المناخي - وهو مجرد نظرية اخترعها جماعة المنتفعين من نشرها بلا أدلة علمية دامغة) سألته مذيعة في «بي بي سي» عن إرهاق ميزانية الأسر بإضافة ما يساوي 400 دولار إلى كل فاتورة سنويا لدعم الطاقة الخضراء؟ فأجاب بضرورة تحديث النوافذ والأبواب وغلايات التدفئة المركزية.

ومن يتحمل آلاف الجنيهات نفقات التحديث، خاصة أن 80% من بيوت بريطانيا يفوق عمرها مائة عام؟

«تخفيض الاستهلاك يخفض فواتير الطاقة، بما يعوض مصاريف التحديث». أجاب معالي الوزير مبتسما، وبراءة الأطفال في عينيه.

لا أخفي على القارئ أن الفكرة راودتني طمعا في 400 جنيه (610 دولارات)، وعد الوزير بدفعها لكل من يحدث التدفئة المركزية بداره.

تصفح «كتالوغ» الغلاية الإلكترونية (ثمنها 6000 جنيه أو 10 آلاف دولار) كمشاهدة فيلم سيجوني ويفرز تصارع وحوش الفضاء «آليانز» والمهندس الألماني يؤكد توفير الكومبيوتر لـ650 جنيها من فاتورة الغاز سنويا.

تطبيق حكمة الوزير باسترجاع ثمن التحديث من فواتير مخفضة يستغرق عشر سنوات (وقد يعثر عزرائيل على عنواني في دفتره أثناءها)؛ أما زيارة مهندس لإصلاح تدفئة كومبيوترية في حالة العطب تتكلف 200 جنيه إلا إذا اشتركت في تأمين للإصلاح بـ300 جنيه سنويا.

«دانكيشن؛ هير إنجينيير؛ أوند أوف - فيديرزيهين» ودّعت المهندس الألماني معتذرا بأنني سأحتفظ بالغلاية التي سماها «ديناصور» (رغم إعجابه بسيارتي موديل 1972 الملوثة للبيئة التي لم تتعطل طوال 40 صيفا و40 شتاء). الديناصور تكلف 580 جنيها عام 1988 عند تركيب تدفئة مركزية لم يكن البناء الذي شيد المنزل في القرن 19 سمع بها. وطوال 25 عاما، لم يتعطل الديناصور سوى مرة واحدة أصلح فيها بـ30 جنيها فقط.

تابعوا الكاتب على تويتر AdelDarwish@