رؤية خليجية للتقارب الإيراني ـ الأميركي

TT

تختزل اللحظة السياسية الراهنة في الخليج كل الأضداد والنقائض السياسية، فتمتزج المثاليات بالشعارات بالسياسات البراغماتية.. لحظة يصعب فيها التوصل لرؤية مبسطة للأمن والاستقرار في الخليج، فمنذ أن دخلت الولايات المتحدة منطقة الخليج إبان السبعينات كقوة رئيسة فاعلة في تشكيل البنية الأمنية للخليج، أوجد المتغير الأميركي علاقة رباعية (دول مجلس التعاون الخليجي الست والعراق وإيران والولايات المتحدة) تحولت إلى علاقة ثلاثية بتحجيم العراق، وأصبحت تطورات العلاقات بين أضلاع المثلث الأمني تؤثر سلبا وإيجابيا على الأطراف الأخرى.

إقليميا، تواصل إيران سياستها التوسعية بالانتشار الآيديولوجي وبالتمدد الجغرافي، فتزرع خلايا التجسس النائمة على ضفاف الخليج، وتحرك جيوب الفتن مثيرة النعرات الطائفية، بينما تراقب تطورات الملف السوري.. وهي تشعل نيران احتفالات الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعيد النيروز.

لقد هنأ الرئيس الأميركي باراك أوباما الشعب الإيراني بمناسبة عيد النيروز، وأكد أن بلاده تفضل تسوية قضية البرنامج النووي الإيراني سلميا وديمقراطيا، قائلا: «منذ تولي منصبي، عرضت على الحكومة الإيرانية فرصة، بأنه إذا قامت بتنفيذ التزاماتها الدولية، فإنه سوف تكون هناك علاقة جديدة بين الدولتين».

من الواضح أن الرئيس أوباما قد وضع ملف العلاقات الأميركية - الإيرانية على رأس أجندته الرئاسية. ومن تل أبيب عاد أوباما ليوجه رسالة إلى إيران يدعوها من جديد إلى المفاوضات مع الاحتفاظ بكل الخيارات مطروحة على الطاولة، وهي رسالة رد عليها المرشد الأعلى لجمهورية إيران الإسلامية السيد علي خامنئي في خطابه بمناسبة العام الفارسي الجديد قائلا: «لا أعارض المحادثات بشأن الموضوع النووي، لكنني لست متفائلا بشأنها». فهل تشهد الفترة المقبلة انفراجا في العلاقات الأميركية - الإيرانية؟ وهل سيشهد الخليج اقتساما لمناطق النفوذ السياسية والعسكرية في الخليج والشرق الأوسط؟

لقد اكتظت المؤشرات باتجاه التقارب بين واشنطن وطهران. وشهدت الأشهر الأخيرة عددا من الإشارات والمبادرات في اتجاهي التقارب والتباعد في الوقت نفسه، فقد دعا نائب الرئيس الأميركي جو بايدن القادة الإيرانيين إلى مباحثات ثنائية لبحث النووي الإيراني، وهي دعوة رحبت بها طهران، في الوقت ذاته وسعت الولايات المتحدة نطاق العقوبات المفروضة على إيران، حيث فرضت العقوبات الجديدة قيودا على وصول إيران إلى عائداتها النفطية، كما فرضت عقوبات مالية على مؤسسات الإعلام الإيرانية.

إن مسلسل الشد والجذب الإيراني - الأميركي مستمر، لكن تبقى الحقيقة بأن التقارب الإيراني مع الولايات المتحدة ضرورة سياسية استراتيجية وليس خيارا تكتيكيا في السياسة الإيرانية.

وتدرك دول الخليج أن لإيران وللولايات المتحدة مصالح متوازية في التقارب. ورغم خطابات الممانعة الإيرانية المعدة للاستهلاك المحلي، فإن طهران، بسياساتها النفعية وإدراكها السياسي، وازنت على الدوام بين مصالحها ومطامعها والوجود الأميركي على حدودها. وهي لن تضيع فرصة التقارب مع واشنطن والحصول على إقرار أميركي بمحورية دورها في المنطقة، إذ لم يعد خافيا أن طهران في عام 2003 بعد الاحتلال الأميركي للعراق، تقدمت بعرض سري لعقد صفقة شاملة بمباركة المرشد الأعلى للجمهورية السيد خامنئي تتلخص في: الاعتراف بإسرائيل، والتنازل عن الخيار النووي، ووقف دعم حزب الله، في مقابل الأميركي الاعتراف بإيران قوة إقليمية فاعلة في الخليج العربي. ولكن إدارة «المحافظين الجدد» (في عهد الرئيس جورج بوش «الابن») لم تأخذ العرض الإيراني بالجدية الكافية، بل عملت على وضع إيران ضمن دول «محور الشر»، ونظرت إلى القبول بالصفقة كاعتراف أميركي بإيران ليس كقوة إقليمية فقط، بل بأنها قوة دولية تسيطر على نفط العالم عبر الخليج.

منذ البداية لم تسع دول الخليج لإيجاد دور قوي ومؤثر في تطورات الملف النووي الإيراني؛ لعدم استغلالها بشكل أساسي إلى أدوات التأثير وعدم وضع تصورات لرؤية استراتيجية موحدة لانعكاسات دخول إيران «النادي النووي» على أمن دول الخليج واستقرارها. وتراوحت المواقف الخليجية المعلنة بين تصريحات تؤكد حق الدول - بشكل عام - في امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية، وبين القلق من امتلاك إيران قدرات نووية.

وظلت هذه الدول تراقب تطور المفاوضات الدولية حول النووي الإيراني، فـ«دول مجلس التعاون» لا تشارك من مفاوضات الملف النووي الإيراني، والقصد أنه كان لا بد من أن تسعى دول «مجلس التعاون» لأن يكون لها مقعد في المفاوضات الدولية؛ كون هذا الملف ملفا إقليميا بحتا.

اليوم لا تمانع طهران الدخول في مفاوضات مع إدارة أوباما، ولكن من «موقع قوة» تستخدم فيه كل أوراقها الإقليمية في العراق وأفغانستان ولبنان وفلسطين والخليج، بالإضافة إلى الورقة النووية.

إن إيران تبحث عن غنيمة كبرى، ليس فقط في الخليج، بل في الشرق الأوسط... غنيمة تعكس محورية الدور الإيراني المؤهل لملء الفراغ، الذي يمثل امتدادا لدورها التاريخي في المنطقة.

بين الشد والجذب الأميركي - الإيراني ستظل دول الخليج تعيش حالة قلق متصاعد. وخلط أوراق الأزمات الإقليمية بالملف النووي الإيراني يفاقم المخاوف الخليجية من «سيناريو» الصفقة الأميركية - الإيرانية الشاملة خلف أبواب موصدة، وبالتالي، تحتاج دول «مجلس التعاون» لرسائل تطمين من واشنطن بأن التسويات والصفقات لن تكون على حسابها، ولا على حساب التوازن الدقيق بين أطراف مثلث الأمن في الخليج.

* كاتبة وإعلامية إماراتية