المؤرخون يفسدون علينا صورة البطل

TT

ما هو تعريفك لـ«التفصيل البسيط»؟ عندما تقرأ «الأزمان المحطمة: الثقافة والمجتمع في القرن العشرين»، سوف تعيد النظر في «بساطة» التفاصيل. يضم الكتاب مجموعة مطالعات وضعها إريك هوبزباوم، المؤرخ النمساوي الألماني البريطاني الذي ولد في الإسكندرية. تنقل هوبزباوم في كل هذه الحضارات، لكنه بقي ينظر إلى مسار العالم بعيون شيوعية، حتى بعد سقوطها في موسكو. توفي متجاوزا التسعين، تاركا مجموعة من المؤلفات، لعل أهمها: «عصر التطرف».

بنى المؤرخ الأبرز، أرنولد توينبي، تحليله للتاريخ، على التحولات والتغييرات الكبرى. سقوط روما، وانهيار بريطانيا، وظهور القوة الأميركية. هوبزباوم يرى أن المتغير الأساسي هو ما يحدث في الأيام العادية؛ أي الأشياء التي لا نراها، وإذا رأيناها لا نلحظها.

طغت أفلام «الكاوبوي» (رعاة البقر) في القرن الماضي على صناعة السينما. لا أذكر ممثلا سينمائيا كبيرا لم يلعب - ولو مرة - دور البطولة في فيلم عن «الغرب المتوحش»: خيول وأبقار وهنود حمر، ومقاه تجري فيها المبارزات بالكراسي أو بالمسدسات أو بالزجاجات الفارغة.

بعض المشاهدين كان يذهب إلى هذه الأفلام من أجل أن يقف إلى جانب «البطل» ويهتف له لحظة التفوق والانتصار على أشرار البلدة. والبعض كان يذهب إلى هذه الأفلام لأنها «مريحة» خالية من العمق والدراميات، وما عليه سوى أن يحصي في نهاية الفيلم عدد القتلى الذين صرعهم البطل، قبل أن ينفتح رأس مسدسه الحار ويعيده إلى خصره باعتزاز.

ليس هناك من إحصاء، دقيق أو غير دقيق، لعدد الضحايا في أفلام الكاوبوي. الأرجح أن جون واين وكلينت إستوود وحدهما، تكفلا بالمئات. لماذا؟ لأن المخرجين اخترعوا لهما ما يليق بالنجومية الكبرى: رشاشا بدل المسدسات الفردية. فتصور الفرق. أي في عدد الضحايا.

لم تقتصر روايات «الكاوبوي» على السينما، بل تحولت إلى مسلسلات تلفزيونية. وكانت عمتي تنتصر للأصغر بين «الإخوة كارترايت»، الذين طالما جابوا السهول وتصاعدوا الجبال من أجل نشر العدل والقانون. الآن، يفجعني إريك هوبزباوم بدقته التاريخية العلمية. يقول إن مجموع عدد القتلى الذين سقطوا بالرصاص في ديار البقر الأميركية ما بين 1870 و1885... كان 45 قتيلا. ألم نقل لك لا تصدق السينما، ولا الإخوة كارترايت.