عشم إبليس بالجنة

TT

لم أحسد في حياتي غير اثنين، تمنيت لو كنت واحدا منهما، أما لو حصلت المعجزة وكنت الاثنين معا، فذلك هو (عز الطلب).

الأول أمير وحاكم، والثاني زعيم طائفة دينية، لسبب بسيط وهو: أن كل واحد منهما يمتلك من المال وراحة البال ما يجعل اللعاب يسيل.

أما الأول فهو أمير (موناكو)، تلك الإمارة التي لا تزيد مساحتها على (2) كيلومتر مربع، والتي يتكون نصف دخلها من إيراد كازينو (مونت كارلو) المعروف.

وكل حكام موناكو عندما يموتون يدفنون (بالكاتدرائية) التي بنيت على حساب كازينو القمار الشهير، وعدد مواطنيها هم في حدود (30) ألفا، ودخل الفرد فيها (150) ألف دولار، وهو يعتبر أعلى دخل فرد في العالم، ومتوسط العمر هو أيضا أعلى معدل عمر؛ إذ يصل إلى ما يقارب (90) سنة، ومعدل البطالة (صفر في المائة)، رغم أن عدد العاملين الأجانب فيها يزيدون على (40) ألف عامل.

وتاريخ تلك الإمارة المستقلة يعود إلى ما يقارب السبعة قرون، والغريب أنه رغم المداخيل الهائلة التي يجلبها لها لعب القمار، فإنه صدر قانون يحرم على أميرها لعبه، ويحرم على أهل موناكو إدارة الملاعب، ومنذ ذلك الحين وشركة فرنسية ألمانية هي التي تدير ذلك الكازينو الأسطوري، الذي يجلب له أغنى أغنياء العالم مثلما تجلب النيران لها فراشات المتعة والاستمتاع.

ورغم أنه سبق للملكة البريطانية السابقة (فيكتوريا) أن وصفت موناكو بأنها (مهد الرذيلة)، فإن وصفها ذلك سريعا ما طار بالهواء، فلديهم قوانين صارمة بعدم العبث والتعدي، كما أن الأمن فيها مستتب أكثر من أي منطقة في العالم، وباقي دخلها يتأتى من السياحة، ومن منتجات صناعة الحلوى، وشراب الجعة، والألبان، وبعض الصناعات الكيماوية.

ولا ننسى أن أميرها السابق الراحل (رنيه) كان له دور مؤثر خصوصا عندما تزوج أجمل ممثلة أميركية (غريس كيلي)، وكانت تلك أكبر نقلة إعلامية هائلة للإمارة في مختلف أنحاء العالم.

أما الثاني: فلا شك أنه (الأغاخان) زعيم الطائفة الإسماعيلية، ويكفي أن طائفته يزنونه كل سنة بسبائك الذهب، التي تذهب كلها حلالا زلالا له.

وفي عام (1941) قرر الإسماعيليون الاحتفال باليوبيل الماسي لزعيمهم الروحي في ذلك الوقت، وهو الذي سبق له أن تزوج من ملكة جمال ألمانيا، وقرر أتباعه إهداءه أحجارا من الماس توازي وزنه عربونا لولائهم ومحبتهم له.

فأعدوا ميزانا خاصا نصبوه وسط منصة عالية في مدينة (يويل آباد) الهندية، وصعد الأغاخان السمين في كفة الميزان، وبدأوا في ملء الكفة الأخرى بالماس إلى أن وصل المؤشر إلى (120) كيلوغراما، فتعادلت الكفتان، فصفق الجميع وهتفوا وحملوه على الأعناق وهم يباركون له.

غير أنه فاجأ الجميع عندما تنازل عنها كلها، وتبرع بثمنها للفقراء من طائفته، والواقع أنه ليس في حاجة لتك الملايين، فلديه غيرها الكثير من المليارات.

وبعد هذا ألا يحق لي أن أتمنى لو أنني جمعت هاتين (الحسنيين)؟!

وأظن أن كل مهنة منهما ينطبق عليها المثل البدوي القائل: (راحة وطراحة)، فلا تعب، ولا نحلة قلب، ولا شعارات (الروح والدم) التي تقرف، ولا فصول (الربيع والخريف) التي تأتي بالغثيان.

ولكن حلمي هذا يبدو أنه بالنسبة لي لا يبتعد كثيرا عن (عشم إبليس بالجنة)، وأحسن لك يا مشعل (انطم).

[email protected]