لم أجد أكثر ذكاء من مدرس كان يدرس لنا ونحن في المرحلة المتوسطة، وغالبا ما كان جدول حصصه يأتي في منتصف اليوم أو نهايته، وعندما لاحظ أن بعض التلاميذ ينامون أثناء الحصة، وأنا من ضمنهم بالطبع، فما كان منه إلا أن يتوقف عن الشرح قائلا لنا: قيام. فلما وقفنا، قال لنا: أتبعوني. واعتقدت أنه سوف يذهب بنا للمدير ليعاقبنا، وفوجئت أنه يذهب بنا إلى فناء الرياضة الخارجي ويهرول راكضا، ونحن خلفه نفعل مثلما يفعل، وبعد أن دار بنا أربع دورات ونحن نلهث تحت الشمس، أعادنا للفصل مرة أخرى وأكمل شرحه.
ومن يومها لم يداعب النعاس أجفاننا في أي حصة من حصصه، خوفا من الهرولة.
***
في صيف سنة من السنوات ذهبت مع عائلتي إلى (نيوبورت) في أميركا، وسكنت في فيللا خشبية صغيرة في مجمع مكون من 20 فيللا، وفي الخارج كانت هناك غرفة كبيرة توجد بها مكائن الغسيل للجميع، وبعد أن ننتهي من غسل الملابس وتنشيفها نترك دائما وعاء الصابون على الغسالة، ولاحظنا أحيانا أنه إما أن يؤخذ أكثر ما فيه، وإما أن يؤخذ نهائيا، ولا ندري من يفعل ذلك لكي نؤنبه أو نشتكيه!
وخطرت فكرة جهنمية لأهل بيتي لم أشجعهم عليها، ولكنهم فعلوها، فبما أن مسحوق الغسيل لونه أزرق، فقد أضافت عليه لونا أزرق لو وقع على الملابس فلن يخرج نهائيا منها، وتركت العلبة كما هي العادة في مكانها فوق الغسالة.
ومن يومها إلى ثلاثة أسابيع، وهي المدة الباقية التي مكثناها في ذلك المجمع، لم تمتد يد إلى مسحوق غسيلنا، فهل ما فعلناه يعتبر شطارة أم أننا قد اقترفنا ذنبا نعاقب عليه؟!
***
أغبى دعاية قرأتها بـ(بروشور) أنيق وملون عن قصر (للأفراح) في منطقة جازان جاء فيه:
إنه إلى جانب قاعة الاحتفالات عندنا، توجد لدينا أيضا غرف خاصة للعرايس، سعر الغرفة للشخص (الواحد المنفرد) في الليلة الواحدة 500 ريال، أما للاثنين فألف ريال.
فقلت بيني وبين نفسي: الحقيقة ليس هناك أروع من أن ينام العريس وحيدا في ليلة دخلته!
***
هل صحيح أن أسرع طريقة لخسارة صديق هي إسداء نصيحة تكون في مصلحته؟!
أعتقد أن هذا صحيح، فقبل مدة أخذت أنصح صديقا وأصارحه قائلا له بما معناه: يا فلان، لماذا لسانك زفر؟! لماذا تتواقح مع الناس؟! لماذا هي دائما أخلاقك تجارية، وكأنك بذلك لا تحلل ولا تحرم؟! متى سوف يكبر عقلك؟! متى سوف يتحرك ضميرك؟! إنني أريد مصلحتك، ولا بد أن تغير حياتك، يا أخي (خلي عندك شوية رجولة ودم).
ومع الأسف، إنني لم أشاهد وجهه من بعد تلك النصيحة الصادقة والرقيقة.