الشهيد البطل ميسرة أبو حمدية

TT

ياروم كانويك كاتب وصحافي متميز في إسرائيل، وكثيرا ما أتابع مقالاته ورواياته. وقدم كانويك التماسا في مايو (أيار) 2011 إلى وزارة الداخلية الإسرائيلية لتغيير ديانته من اليهودية إلى «بلا ديانة»، وهو المصطلح الذي تمت صياغته في الأدبيات السياسية الراهنة نظرا لأن بعض الإسرائيليين يعتزمون القيام بنفس الشيء. وقد قرأت مقالته التي جاءت بعنوان «فوضى غياب القانون في إسرائيل» في صحيفة «يديعوت أحرنوت» في الرابع من مارس (آذار) الماضي، ويركز المقال على أسس الثقافة الحالية في إسرائيل وكيفية المواجهة بين الجيل الجديد والجيل القديم.

وتقول المقالة: «الدولة التي تسمح بضرب الأطفال العرب لن تغير شيئا، عندما عدت مصابا من إحدى المؤسسات الحكومية، هنأني والدي موشيه؛ وقال: (اليهود والدولة لا يجتمعان)». وفي الواقع، كان محقا فيما قال، فإذا لم يكن هناك نوع من الشفقة والإحساس بالمشاعر فلن يكون هناك دولة، وهذه هي الفوضى التي ترى إسرائيل أنها صائبة.

وانتقد ياروم السلوك الاجتماعي بين اليهود داخل المجتمع الإسرائيلي. وأود أن أركز على وفاة ميسرة أبو حمدية من وجهة نظر أخرى. عندما نتحدث عن الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان في بلد ما، يتعين علينا أن نركز على حالة السجون والسجناء، وكذلك حقوق الأقليات. ولم يكن ميسرة أبو حمدية السجين الفلسطيني الوحيد الذي لقي حتفه داخل السجون الإسرائيلية، فكما تذكرون فقد مات أيضا عرفات جرادات في السجن، ولدينا قائمة طويلة بأسماء الأسرى الذين وافتهم المنية، أو بعبارة أخرى، تعرضوا للتعذيب حتى الموت. وقد قتل أكثر من 207 سجناء فلسطينيين حتى الآن.

ودائما ما تحاول الحكومة الإسرائيلية تبرير حالات الوفاة بين السجناء عبر زعمها بأنهم قد لقوا حتفهم لأنهم كانوا يعانون من أمراض مختلفة، فقد قيل على سبيل المثال، إن ميسرة أبو حمدية (64 عاما) كان يعاني من مرض السرطان.

والسؤال الأهم الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا نواجه هذا السلوك؟ لماذا يموت 207 سجناء فلسطينيين في غيابات السجون أو من هم رهن الاعتقال الإداري الإسرائيلي، والعالم بأسره يلتزم الصمت؟ لماذا يتم طمس العدالة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل؟ أين الأمم المتحدة؟ أين كل أولئك المفكرين والكتاب والصحافيين والمنظمات غير الحكومية، التي تدافع عن حقوق الإنسان في العالم؟ لماذا يتم تجاهل الفلسطينيين وحدهم؟

لدي إجابتان على هذه الأسئلة: أولا، ومع الأسف، خلقت الحكومة السورية، وأحيانا معارضيها، حالة غريبة في المنطقة، فلم يعد هناك أي قيمة للروح الآدمية، حيث يقتل كثير من المدنيين يوميا، وتستخدم الحكومة السورية صواريخ «سكود» ضد شعبها. وبالنظر إلى كل هذا، حتما ستبدو وفاة مواطن فلسطيني داخل أحد السجون الإسرائيلية أمرا طبيعيا، ولا سيما وأن ما تفعله الحكومة الإسرائيلية مع فلسطينيين وليس مع أبناء شعبها، ولنا أن نستحضر ما قاله القرآن الكريم:

«واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة» (الأنفال الآية 25)

من منا يعرف عدد القتلى الفلسطينيين خلال الاضطرابات الحالية في سوريا؟ ما أريد أن أقوله هو أن بشار يحذو حذو والده، في قتل الفلسطينيين للمرة الثانية. كيف يمكننا أن ننسى مذبحة تل الزعتر عام 1976، وقصف مخيم اليرموك من قبل القوات الجوية السورية مؤخرا؟

ثانيا، تعتبر إسرائيل دولة استثنائية، نظرا لأن الولايات المتحدة دائما ما تستخدم حق النقض (الفيتو) لمصلحتها، علاوة على تبرير كل الآراء والمثل والأفعال الإسرائيلية. وبالتالي لا مجال أمام الفلسطينيين لتنظيم مظاهرات في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وقد أصيب عشرات الفلسطينيين خلال مواجهات مع الجيش الإسرائيلي عند مدخل بلدة بيت أمر. وأشار يوسف أبو ماريا، المتحدث باسم اللجنة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان في بيت أمر، إلى أن الجيش أطلق عشرات من قنابل الغاز والرصاصات المعدنية المغطاة بالمطاط وأغلقوا الطرق الرئيسية المؤدية إلى المدينة.

وذكرت مصادر طبية فلسطينية، في الجزء الجنوبي من الضفة الغربية المحتلة، أن 40 فلسطينيا على الأقل قد أصيبوا خلال اشتباكات وقعت مع الضباط الإسرائيليين الذين هاجموا الفلسطينيين المتظاهرين احتجاجا على وفاة الأسير ميسرة أبو حمدية.

ونقلت شبكة فلسطين الإخبارية، أن الاشتباكات وقعت في منطقة باب الزاوية في حبرون، وأن الضباط أطلقوا عشرات من قنابل الغاز وقنابل ترويع ورصاصات معدنية مغطاة بالمطاط مما أدى لإصابة 40 فلسطينيا على ذلك. علاوة على ذلك، ففي الخليل، كان هناك تظاهرة ضخمة في جنازة ميسرة أبو حمدية. وكما نقلت وكالة أنباء «وفا»: فإن شابين من بلدة الخضر جنوب بيت لحم، أصيبا مساء اليوم الخميس، برصاص الاحتلال خلال مواجهات مع المواطنين في منطقة «أم ركبة» جنوب البلدة.

وأفاد مدير الإسعاف والطوارئ في جمعية الهلال الأحمر ببيت لحم عبد الحليم جعافرة لـ«وفا»، أن شابين أصيبا بالرصاص المعدني أحدهما في الصدر والآخر في قدمه، وقدمت لهما الإسعافات الأولية، قبل أن يتم نقلهما إلى مستشفى بيت جالا الحكومي.

فضلا عن ذلك، فقد قتل مراهقان فلسطينيان، هما ناجي بلبيسي وعامر نصار، في يوم الثلاثاء 2 مارس (آذار) في عنينا على يد ضباط إسرائيليين. وأعتقد أن الفلسطينيين بإمكانهم في بعض الأحيان التفكير بشأن الخبرة التي اكتسبوها من قضية الضابط الإسرائيلي، جلعاد شاليط. في يوم 18 أكتوبر (تشرين الأول) 2011، تم إطلاق سراح 477 من الأسرى الفلسطينيين البالغ عددهم 1027 أسيرا كجزء من عملية تبادل للأسرى. يوضح هذا المثال أن هذه هي اللغة الوحيدة التي تفهمها السلطات الإسرائيلية.