إيران بين مركب سوريا الغارق ومركب مصر الواعد

TT

دخل علي أكبر ولايتي، وزير الخارجية الإيراني الأسبق والمستشار الأعلى لمرشد النظام الإيراني علي خامنئي، على خط العلاقة المصرية - الإيرانية الذي يسخن بشدة هذه الأيام وقال: «إن جماعة الإخوان المسلمين هي الأقرب إلى طهران من بين جميع الجماعات الإسلامية، والأقرب عقائديا بين كل التيارات الإسلامية»، مؤكدا «دعم إيران لنظام الإخوان المسلمين».

ولا أظن أن داهية السياسة الإيرانية غاب عنه أن مثل هذا التصريح سيحرج «الإخوان المسلمين» في مصر وعضوهم الذي يتزعم بلدا يعيش مرحلة انتقالية مضطربة وحرجة، وفي حاجة ماسة إلى تكاتف بقية الفصائل الإسلامية القوية معه مثل التيار السلفي النافذ في الساحة المصرية وصاحب الموقف الأكثر مجابهة لمحاولات التغلغل الإيراني، بل يدرك ولايتي أن المنطقة كلها لم تشهد ارتفاعا للنفس الطائفي مثل هذه الفترة التي اصطف فيها نظام إيران مع نظام بشار، حليفه الآيديولوجي والسياسي، غير عابئ بجرائمه ومجازره ضد شعبه التي أوجدت حنقا شديدا ضد نظام إيران.

فمثل هذا التصريح فيه إحراج للقيادة المصرية الجديدة، ولا أدل على ذلك من أن الدكتور أحمد عارف، المتحدث الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين، سارع إلى الرد على تصريح ولايتي قائلا: «الجماعة بعيدة كل البعد عن المذهب الشيعي، ولن ترضى بغير المذهب السني»، مؤكدا أن «الجماعة أكدت مرارا وتكرارا أن المذهب السني خط أحمر ولن نسمح لأي شخص بتجاوزه، وسنتصدى لأي محاولات، إن وجدت، من قبل أي فصيل يحاول التوغل وسط المصريين»، وأكد أن العلاقات بين مصر وإيران «سياسية ولا علاقة لها بالدين من قريب أو بعيد».

بل إن تصريح ولايتي جاء في سياق سياسة ضبط الأعصاب الإيرانية والصبر على الصدود المصري ضد التقارب مع نظام إيران، فقبل ولايتي، بلع الرئيس خاتمي «المطب» الذي أوقعه فيه الأزهر حين تفاجأ بمؤتمر صحافي بعيد لقائه شيخ الأزهر لم يكن في برنامج الزيارة، وكانت أم المفاجآت تصريح مستشار شيخ الأزهر وخاتمي بجواره بأن الأزهر والمصريين يرفضون سب الصحابة ولا يسمحون بمحاولة تشييع الشعب المصري، بل لم تلتقط إيران إشارة الرئيس المصري حين جعل مدة زيارته الأولى لطهران بضع ساعات اعتذر خلالها عن مقابلة المرشد والرئيس أحمدي نجاد، فضلا عن خطاب الرئيس مرسي في طهران الذي ترضى فيه عن الخلفاء الأربعة، والذي اعتبره البعض خروجا عن الأعراف الدبلوماسية.

هذا كله يجعلنا نخلص إلى أن استراتيجية النفوذ الإيراني بعيدة المدى وضعت في الحسبان أن ظهر نفوذها في المنطقة بعد الثورة السورية مكسور لا محالة، بل تكسرت بالفعل بعض فقراته، وأنها لا بد أن تعمل على بديل في مستوى استراتيجية وأهمية سوريا إن لم يكن أحسن، فوجدت بغيتها في مصر، ويبقى الدور على الخليج، حكومات ونخبا إعلامية وثقافية، أن «تكظم» غيظها من وصول «الإخوان» للحكم، وأن تقطع على إيران الطريق بزيادة تقاربها مع مصر، لأن توتير الجو معها سياسيا واقتصاديا وإعلاميا من شأنه أن يحدث جفوة ثم فجوة سينفذ منها بالتأكيد النظام الإيراني لإيجاد موطئ قدم له في مصر التي لو نجح في مد نفوذه إليها فستكون النتائج وخيمة على المنطقة بأسرها، وخصوصا الدول الخليجية.

[email protected]