«سيدتي الجليلة»

TT

كان في بلاد زحلة (جارة الوادي) زحلاوي عاش حياته ما بين النهر والعرائش، يطارد الفراشات في الربيع والجميلات في كل الفصول. ولما كبر في السن تطلع في اللوح خلفه فلم يرَ شيئا. وذات يوم التقى صبية رائعة الحسن، فقدم نفسه قائلا: لم يكن لدي شيء أقوله للناس، الآن أستطيع القول: إنني عشت في عصرك.

عشت، صحافيا، في عصر مارغريت ثاتشر، ابنة بقال فنشلي، إحدى أجرد ضواحي لندن الشمالية. وإذ تقدمنا في السن بلا إنجازات، نؤاسي النفس بالقول، إننا، على الأقل، أمضينا سنوات العمل نلاحق شارل ديغول ومارغريت ثاتشر ونمشي مع فرنسوا ميتران إلى إذاعة أوروبا واحد. اجتمعنا إلى ثاتشر مرتين في 10 داونينغ ستريت مع صحافيين آخرين. وبعدما استقالت جاءت إلى البحرين، فأمضيت إلى جانبها شبه يوم كامل. ترتيب طارق المؤيد، الذي كان ماهرا في وضع الدول الكبرى على درب الدول الصغيرة.

كانت مارغريت ثاتشر أهم امرأة في القرن العشرين. ليس لأنها أقامت بريطانيا من حضيض التعثر والإفلاس والشعارات العمالية المحنطة وسلوك الأرستقراطية الصدئة. ليس بسبب شجاعتها أو صراحتها غير المألوفة في السياسة. ليس لأنها استطاعت أن تكون أكبر بكثير من عالم الرجال الذي أحاط بها.

سوف نكتشف غدا من قراءة جديدة للتاريخ، أن مارغريت ثاتشر، الحديدية، الحادة، المحافظة، هي التي فككت آخر نظام استعماري في العالم: جنوب أفريقيا. وهي، ماغي، أو المسز تي، التي رعت نيلسون مانديلا في السجن وفي الحرية. وهي، البارونة ثاتشر، التي شجعت الرئيس الأبيض، إف دبليو دوكليرك، على إنهاء الأبارتايد. لا تهتم إلى جهاز الأمن والقمع حولك، إنهم أجبن من أن يقتلوك. وسوف يأتي يوم نعرف دور المسز تي في حرب البوسنة. ولماذا كانت أول من تحرك في البلقان. وسوف يأتي يوم نعرف كيف شجعت ميخائيل غورباتشوف، كما شجعت دوكليرك، على نفض الصدأ عن النظام الشيوعي.

يفوتنا دائما، في حالات الانبهار، أن نلاحظ بعض الوقائع. المتمرد الحقيقي على الأبارتايد، كانت البيضاء المحافظة ماغي. الذي وعى تماما أن النظام الإمبراطوري مات في السويس، كان وريثة أنطوني إيدن.

تلك المرأة الحادة التي غابت أمس، كانت سيدة أفق وأعماق وقراءة للتاريخ والمستقبل معا. قبلها أنقذ ديغول فرنسا في الجزائر، بعدها حكم أوروبا جيل أقل شجاعة ومعرفة. لولا هذه البارونة الأخرى، أنجيلا ميركل.