لقد تذكر الإسكندرون

TT

تعليقا على «سيدتي الجميلة» يوم الثلاثاء، والقول إن جنوب أفريقيا هي آخر نظام استعماري في العالم، يوبخني قارئ كريم في البريد: وماذا تسمي فلسطين؟ ثم يقرعني: وماذا عن لواء الإسكندرون؟ ثم يؤدبني: ماذا عن الشعوب الكثيرة التي لا تزال تحت الاستعمار؟

عادة، لا أعلق على الآراء ولا أجيب عليها، وإنما هي أول ما أقرأ كل صباح، في حرص وتقدير وخوف من أن أكون قد ارتكبت خطأ في اليوم السابق.

أما التأنيب، فلنتوقف قليلا. «جنوب أفريقيا آخر نظام استعماري»، لأنها أشهر وأضخم وأسوأ حالة أبارتيد، على هذا الكوكب، أما إذا كنت تقصد أن جزر ماكرونيزيا لم تتحرر تماما بعد عن سياسة أميركا الخارجية، فأرجو أن تبحث عن كاتب لديه مثل هذه الهموم.

وأما ماذا نسمي إسرائيل، فنحن – والقانون الدولي وقرارات القمم السياسية منذ 1949 – نسميها دولة استيطانية ونظام احتلال و350 ألف مستعمرة ونتنياهو. الاستعمار هو القوة التي تقعد ثم ترحل. وأما عن إسكندرون فعليك مراجعة الرئيس بشار الأسد والزيارات التي قام بها لرجب طيب أردوغان وعلى ماذا تم الاتفاق. أما إذا أوردت الإسكندرون على سبيل السرد، فراجع الأمانة العامة للجامعة العربية، وليس هذه الزاوية. هذه زاوية يومية صغيرة، تحاول أن تعبر عن مشاعر الناس وأن تنقل إليهم المصطلحات المتفق عليها بين البشر.

وأما عن الشعوب الأخرى التي تطلب الحرية، فمن أي استعمار تطلب؟ ومن هي هذه الشعوب؟ رواندا؟ الكونغو؟ غينيا؟ نيجيريا؟ إن شعوب العالم، بمن فيها نحن، تطلب الحرية من الاستبداد لا من الاستعمار. لقد أصبح الاستعمار الخارجي بالمقارنة مع الاستعمار الداخلي الجاثم الجائر، حنينا يحن إليه. ليست غيرترود، بل من تسبب في قتل أكثر من مليوني عراقي، ولا الانتداب الفرنسي من قتل 200 ألف لبناني. جميع شهداء الاستقلال «المسجلين» رسميا عندنا، لا يزيدون عن الأربعة. وشهداء الاستقلال السوري ألف. هل لدى جنابك إحصاء حول قتلى وجرحى ومقطعي ومشردي اليوم؟

وأما إسكندرون، الاثر الإسكندري الصغير على المتوسط بعد أثره الكبير، الإسكندرية، فإذا كان لدى جنابك أصدقاء هناك سوف يخبرونك أنها لم تعد «اللواء السليب»، لأن الأسهل هو الذي حصل. لقد ذهبت سوريا إليها، باعتبار أن الحياة في سوريا الأم صارت مستحيلة، كما يمكن أن يكون قد بلغك. أما لغرض السرد والتوبيخ والتأنيب، فالحق معك. إسكندرون يا إسكندرون.