تمام سلام يلعب في الوقت بدل الضائع

TT

لشدة ما يكيلون له المديح، يخيل إلينا أننا نتعرف على تمام سلام للمرة الأولى. نكاد نظن أن الرجل هو اكتشاف مفرح جديد لم يسبق لأحد أن خبره، أو عرف عنه شيئا من قبل. لا، بل نكاد نصدق أن رئيس الوزراء المكلف تشكيل الحكومة الجديدة هو مثل المنقذين الذين يهبطون من السماء، فجأة، بعد أن تحل الكوارث لينقذوا أمة بعد أن ابتليت بالكوارث والمحن، علما بأن الرجل نائب معروف وسبق له أن كان وزيرا للثقافة، وهو لم يغادر بيروت قط، ولم يبدل مواقفه أو حتى يغير شكله وسحنته.

نحن لسنا ضد التفاهمات والحوارات الوطنية والاتفاقات بين الأفرقاء على مخارج سياسية عاقلة تجنب البلاد الموت والدمار والفتن، كما أننا لسنا ضد المحبة والوئام، لكننا ضد التكاذب والآمال المموهة، والمداراة الممكيجة، بينما الحقيقة المريرة، أن كل طرف يحفر للآخر الفخاخ ويرسم الخطط والاستراتيجيات للإيقاع بالخصم.

توافقت الأطراف على تمام سلام رئيسا للوزراء إذن، وهذا أمر جيد، لكنهم على الرغم من بالونات التفاؤل التي ينشرونها هنا وهناك، والكلام المعسول الذي يغدقونه على الرئيس المكلف، لا يزالون يختلفون معه ومع بعضهم على كل شيء.

الرجل يريد تأليف حكومة على شاكلته كما يقول «وطنية، حيادية، غير مستفزة ومتجردة». وهو مطلب يتوافق مع تطلعات «14 آذار». أما فريق «8 آذار» فيرى أن هذا الطرح «الحيادي» مفخخ، الهدف منه إحراجهم فإخراجهم من الحكم بالكامل بالاستيلاء على الحقائب الحساسة، مثل المواصلات والكهرباء والعدل ووضع اليد على ملف النفط للتفاوض مع الدول الكبرى حوله. ويقول هؤلاء همسا إن ثمة صفقة تدبر لهم، في مكان ما، تحت ستار التفاهم والتقارب، ولا بد من اتخاذ الحيطة والحذر. ولم يتوانَ وئام وهاب، رئيس حزب التوحيد عن القول: «إن تشكيل حكومة حيادية يعني استبعاد فريق (8 آذار) من الحكومة ودفعه للجوء إلى الشارع».

ربما أن وهاب يبوح بما يضمره حلفاؤه، لكن الأكيد أن أم المعارك لن تكون حول الحكومة التي قد تشكل أو لا تشكل، وإنما حول قانون الانتخاب الذي يفترض أن الحكومة العتيدة ستجري الانتخابات على أساسه.

تم التوافق في مجلس النواب على تعليق العمل بمهل قانون الستين - الذي لم يعد يرضى به سوى وليد جنبلاط وتيار المستقبل - لمدة شهر، وهو أمر حسن لأنه سيتيح المجال لمناقشة قانون جديد. لكن هذا سيضع الفريقين المتصارعين في مبارزة يشهر كل منهما سيفه في أي لحظة للانقضاض على الآخر. الراضون في الإبقاء على قانون الستين يعتبرون أنه لا يزال حيا ولا بد من العمل به إن لم يتم التوافق على قانون جديد، بينما يعتبر الفريق الآخر أن قانون الستين «مات» و«دفن» وأن عدم التوافق على قانون جديد سيسمح لهم بإخراج القانون الأرثوذكسي (الطائفي) من الأدراج وطرحه للتصويت في مجلس النواب، حيث بمقدوره الحصول على أغلبية وازنة رغم أنف الرافضين.

كل فريق يكمن للفريق الآخر على زاوية ما، في مكان ما لن يسمح له بتجاوزه. كل المقالات التي تدبج في مناقبية «آل سلام الكرام»، وفي مديح تمام سلام «وريث البيت العريق، وسليل الأسرة الوطنية»، ستذهب هباء لحظة تحتدم المعركة التي سيكون أول ضحاياها الرئيس المكلف. فـ«الحيادية» على أهميتها في سويسرا ملعونة في لبنان، تماما كما جعلت «وسطية» نجيب ميقاتي، صاحبها كبش محرقة في بلد أصوات التطرف والتعصب فيه تعلو على كل ما عداها.

ليست مهمة تمام سلام بالسهلة، وإن كان الجميع يريد أن يقول غير ذلك، فالأجواء العامة تميل للتأكيد أن توافقا أوليا على قانون انتخابي يدمج بين الأكثري والنسبي قد تم التوافق عليه عمليا، وأن حكومة سلام لن تكون أكثر من حكومة تشرف على انتخابات، وبالتالي لا ضرورة لتعقيد الأمور، وإظهار أي طرف لذاته على أنه هو المعرقل والمعطل، بينما الناس ما عادوا يحتملون اضطرابات وفتنا باتت تنعكس سلبا على وضعهم الاقتصادي والمعيشي.

كل هذا قد يدفع إلى التصديق أن الاحتفاء بعودة آل سلام إلى الحكم حقيقي وعميق، لكن الواقع يشي بغير ذلك. الشهور القليلة المقبلة التي ستشهد مفاوضات وصفقات متعددة الأطراف متشابكة المصالح حول سوريا، ستبقي لبنان على جمر الانتظار، بينما تنضج الطبخة الإقليمية، وفي الوقت الضائع يلهو اللبنانيون، محاولين إيجاد صيغة ما تجنب بلادهم الاحتراق، مع حرص كل فريق سياسي على أن يحجز حصته المستقبلة في «كعكة» التركيبة المقبلة سلفا.

حقا إنه لأمر معقد. يظن اللبنانيون أنهم مركز العالم بينما هم ليسوا أكثر من قطعة في لغز المنطقة الذي يعاد تركيبه برسم جديد لم تكتمل ملامحه بعد.

بالتوفيق دولة الرئيس تمام سلام.. المهمة عسيرة جدا وكثير من شركائك في الوطن الذين يناكفونك ليسوا سوى أدوات في أيادي لاعبين كبار.