وداعا عبد القادر الفضل

TT

مجتمع الأعمال في أي مكان هو نتاج وحصيلة عطاءات الشخصيات المتميزة والمتألقة والناجحة فيه والتي تترك البصمة والأثر، وبالتالي الإرث والسمعة التي تبقى. وفي السعودية، البلد صاحب الاقتصاد الأكبر في الشرق الأوسط يفتخر بهذه الشخصيات المتميزة والناجحة دوما ويجري الحديث عن «الجيل الذهبي» من رجال الأعمال، رجال عصاميين استغلوا الظروف بشكل ذكي وأسهموا في لعب دور كبير ومؤثر لتكوين اقتصاد عصري وحديث ومتطور على درجة مهمة وعالية من الكفاءة والتميز.

من ضمن هذه الشخصيات اللافتة رجل الأعمال الكبير فقيد مجتمع الأعمال الشيخ عبد القادر الفضل، رحمه الله، الذي انتقل إلى جوار ربه عز وجل منذ يومين بعد صراع غير بسيط مع المرض. كان «العم» عبد القادر الفضل شخصية محببة لكل من عرفه، ولم تعرف عنه عداوات مع أحد، فلقد كان رجلا أجمع على محبته واحترامه وتقديره كل من عرفه، وكان شخصية دمثة الخلق، بسيطا في تعامله مع الناس ولديه القدرة والذكاء الاجتماعي الفريد وقدرة جميلة في التواصل مع الناس بمختلف خلفياتهم وأعمارهم، وكانت لديه بصمات خير وتواصل مع شرائح عريضة من المجتمع. نجح في قطاعات اقتصادية مختلفة، وبرز في مجال المقاولات والخدمات والاستثمار ووسع نطاق أعماله بشكل دقيق ومدروس.

كان «الفضل» وفيا وبارا بأصدقائه، وكان يفضل أن «يشارك» في مشاريعه وشركاته وأعماله من هم من المقربين إليه اجتماعيا، وبقيت دائرة معارفه المقربة دوما تدور مع «أحبابه» الشيخ عبد العزيز السليمان، والدكتور عاكف المغربي، وعبد اللطيف باناجه، وغيرهم. كان مثالا يحتذى في بره بأهله وذويه. حمل مسؤولية الكثير من أفراد أسرته بكفاءة وعدل وأمانة، وظل حريصا على ذلك طول عمره حتى مع سنوات المرض الأخيرة. أسهم بشكل عملي واضح في نقل دفة إدارة شركاته إلى «الجيل الثاني» وذلك بتسليمه العمل التنفيذي إلى نجله الأكبر محمد وشقيقه حسن، وقد أسهما بنجاح في توسيع رقعة النجاح للشركات وبشكل مميز.

أسهم الراحل بشكل مميز في تطوير أنشطة الغرفة التجارية التي كان عضوا في مجلس إدارتها في يوم من الأيام. كان «وجيها» اجتماعيا يحتل صدور المجالس ويتصدر اسمه قائمة المدعوين، سواء لأغراض الاستثمار والأعمال أو لأجل مناسبات خاصة بحتة. كان «كبيرا» في مواقفه وجميلا في علاقاته، توسط بالخير وكان حَكَما في مواقف مختلفة، اختير ليكون الصوت الراجح والعقل المرجح، وكان دوما يحتل موقع الرضا والقبول والاقتناع من الكل بلا جدال. سيفتقد مجتمع الأعمال السعودي «طلة» أبو محمد ووقاره وأدبه وحكمته وحديثه الموزون وقتما يحتاج الأمر لذلك، وصمته البليغ متى تطلب الموقف ذلك، وهي معيار دقيق لم يكن يدركه ولا يتقنه إلا القليل. يترك الراحل المحبوب خلفه زوجة مخلصة نبيلة ووفية، السيدة ناهدة التي وقفت إلى جانبه في درب طويل كمثال للعضد والسند والشريك الداعم بشكل يضرب به المثل، وذرية مشرقة محمد وحسن ورندة ولينا، وأحفادا يحملون اسمه واسم أسرته.

لعل الشيء الذي كان يميز الراحل هو قدرته وصبره وتحمله على استيعاب الغير بمواقفهم وشخصياتهم وتصرفاتهم، وكان دوما لديه القدرة على «توسيع» الصدر والتقبل و«تكبير الرأس» بشكل مدهش، بل كانت لديه القدرة على السخرية من بعض المواقف لتخفيف حدتها، فلقد كان لديه روح الدعابة الخاصة به وابتسامته دائما ما تكون حاضرة. الرجال «الكبار» لا يعوضون ولا يستشعر بقيمتهم وقامتهم إلا بعد رحيلهم.

عرفت الفقيد الراحل عن قرب وبصورة شخصية وحضرت له الكثير من المواقف التي تترك أثرا في النفس والذاكرة لا يمكن نسيانها بسهولة.

رحل عبد القادر الفضل عن دنيانا وكل من عرفه أو سمع عنه يترحم عليه بصدق، وهو الآن في دار الحق عند غفور رحيم، سنفتقده جميعا ولا نملك له إلا الدعاء بأن يسكنه الله فسيح جناته ويغمره بالرحمة والغفران ويلهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.. و«إنا لله وإنا إليه راجعون».