ورقة الأقليات تتحرك في إيران!

TT

في شهر فبراير (شباط) من العام الماضي، قال آية الله محمد باقر خرازي، أحد الطامحين للرئاسة في إيران، إن طاجيكستان وأرمينيا وأذربيجان ستعود كلها إلى إيران، إذا ما أصبح هو رئيسا للبلاد.

أثارت يومها تصريحاته ردود فعل عنيفة من وزارة خارجية طاجيكستان التي وصفت قائلها بـ«المفتتن، والجاهل». وقالت عنه إن خرازي لا يفهم حقائق ما يجري في المنطقة وفي العالم فضلا عن جهله بالقانون الدولي.

قد يكون ما دفع خرازي إلى مثل ذلك التصريح، اقتراح مجموعة من النواب الأذريين في باكو بتغيير اسم «أذربيجان» إلى «أذربيجان الشمالية»، ليؤكدوا أن الأمة الأذرية مقسمة بين دولة مستقلة (جمهورية أذربيجان) ومقاطعة في شمال إيران تعرف بـ«أذربيجان الجنوبية». ويومها قال أحد نواب الحزب الحاكم «أذربيجان الجديدة»: «ولمَ لا. هناك أمثلة كثيرة: كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية.. قبرص الشمالية وقبرص الجنوبية. وكون أذربيجان منقسمة، فيجب أن نطلق على الجمهورية اسم (أذربيجان الشمالية)».

بعدما ضمنت أذربيجان استقلالها عام 1991، (تفكك الاتحاد السوفياتي) فشلت إيران في كسبها حليفا شيعيا قويا. على العكس، صارت باكو غنية بسبب عائدات النفط، كما أنها شقت طريقا لافتا في سياستها الخارجية.. اشترت الأسلحة والتكنولوجيا من إسرائيل، وصارت الأخيرة بسبب هذه العلاقة تطل على الحدود الإيرانية.

في الأسابيع الأخيرة، توترت العلاقات وصارت تنذر بتطورات غير مريحة للدولتين. في الرابع من الشهر الحالي، دعت صحيفة «كيهان»، التي يقال إنها تعكس آراء المرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي، إلى إجراء استفتاء عام في أذربيجان يقرر ما إذا كان على البلاد أن تنضم إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وكتب رئيس التحرير حسين شريعتمداري مقالا بعنوان «دور باكو»، جاء فيه: «على إيران أن تتدخل لتنقذ الشعب الأذري بأن تقترح على المسؤولين هناك إجراء استفتاء بشأن مسألة الانضمام إلى إيران»، ووصف اقتراحه بالخطوة الأساسية نحو الديمقراطية. وقرر شريعتمداري أن «المواطنين الأذريين يرون أنفسهم منفصلين عن الجمهورية الإسلامية، وهم حريصون على الانضمام إليها».

المقال جاء في خضم ردود فعل إيرانية على مؤتمر عقد في 30 مارس (آذار) الماضي في باكو نظمته «حركة التحرير الوطني لأذربيجان الجنوبية» وتضم مجموعات تسعى لاستقلال الأقلية الكبيرة الأذرية في إيران، التي تنحدر منها شخصيات تحكم إيران مثل المرشد الأعلى نفسه خامنئي، وزعيم المعارضة مير حسين موسوي.

انعقد المؤتمر تحت عنوان «غد أذربيجان الجنوبية المعاصرة»، وقال المتحدثون فيه، إن إيران، بسبب المقاطعة تواجه مستقبلا سياسيا سيئا، وتوقعوا أن محافظتي أذربيجان الشمالية وأذربيجان الغربية في إيران، التي أشاروا إليها باسم «جنوب أذربيجان»، لا محالة سوف تصبحان مستقلتين. حضر المؤتمر نشطاء، وأكاديميون ومسؤولون أذريون سابقون. ولم يحضره مسؤولون حاليون. ونقلت وكالة أخبار أذربيجان عن أحد المشاركين قوله: «إذا فقدت الحكومة الإيرانية السيطرة، فإن الحركة الوطنية جاهزة لتسلم الحكم في أذربيجان الجنوبية». مباشرة بعد المؤتمر استدعت الخارجية الإيرانية سفير أذربيجان وحذرته من أن مثل هذه الاستفزازات ستلحق الضرر بالعلاقات بين البلدين. وفي رسالة إلى السفير وقعها عباس عراقشي نائب وزير الخارجية الإيراني لشؤون آسيا والمحيط الهادئ، أشار إلى تصريحات في المؤتمر قيلت ضد سيادة إيران ووحدة أراضيها، وأن «الكلمات المنحازة» و«المذكرات الكاذبة» كانت «أعمالا استفزازية تلبي مصالح الصهيونية». وفي ردها على المذكرة، قالت باكو إن نشاط المجموعات الانفصالية المعادية لإيران، لا يعكس سياسة الدولة. لكن، لوحظ أنه قبل أيام قليلة من انعقاد المؤتمر قال النائب في الحزب الحاكم سيافوش نوفروزوف، إنه يريد أن يصبح رئيسا لبرلمان «أذربيجان إيران». وقد فسر هذا، بأن باكو تدعم بطريقة مباشرة وغير مباشرة المجموعات المعادية لإيران.

إيران تتهم تركيا بأنها تقف هي أي وراء هذا التحرك؛ إذ إن حركة التحرير الوطنية لأذربيجان الجنوبية عقدت أيضا مؤتمرا في أنقرة في يناير (كانون الثاني) الماضي، تحت عنوان «دور أذربيجان الجنوبية في العالم التركي».

في مقاله بصحيفة «كيهان»، قال شريعتمداري: «المؤتمر واحد من مئات التدابير المشتركة بين الصهاينة وبعض المسؤولين الأذريين ليواجهوا شعور التضامن الذي يكنه شعب أذربيجان تجاه الجمهورية الإسلامية، ولمنع تأجيج هذه المشاعر الدينية والثقافية».

العلاقات متدهورة بين باكو وطهران بسبب علاقة الأولى بإسرائيل. ورغم أن باكو اعتقلت أكثر من عشرة أشخاص لعلاقتهم بشبكة تجسس إيرانية، فإنها نفت أن تكون سمحت لإسرائيل باستعمال قواعدها العسكرية لشن هجمات وقائية ضد منشآت إيران النووية. وكانت طهران اتهمت باكو في فبراير من العام الماضي بأنها ساعدت الموساد الإسرائيلي في سلسلة من الاغتيالات التي طالت العلماء النوويين الإيرانيين. بعد بضعة أشهر على هذا الاتهام، استدعت إيران سفيرها من باكو للتشاور بعد مظاهرات أمام السفارة الإيرانية وجه خلالها المتظاهرون شتائم للمسؤولين الإيرانيين.

أما التطور الأخير، فهو في بدء مجموعة من النواب الإيرانيين إعداد مشروع قانون لمراجعة «اتفاقية تركمانجي» التي وقعتها روسيا القيصرية مع بلاد فارس عام 1828 بعد هزيمة الإمبراطورية الفارسية في حربها ضد روسيا، وأُجبر الفرس بموجب الاتفاقية على الاعتراف بالسيطرة الروسية على ما يعرف الآن بأرمينيا وأذربيجان. قضت «معاهدة تركمانجي» بأن يكون نهر اراس الحدود الفاصلة بين روسيا القيصرية والإمبراطورية الفارسية في زمن حكم القاجار، وتتضمن الاتفاقية نصا بإعادة مراجعتها بعد مرور مائة عام.

مع انهيار الاتحاد السوفياتي، أصبح ذلك الخط الفاصل هو الحدود ما بين إيران من جهة؛ وأذربيجان وأرمينيا من جهة أخرى.

سيافوش نوفروزوف، النائب في حزب أذربيجان الجديدة الحاكم، «ابتهج» لدعوة نواب إيرانيين إلى إعادة التفاوض. الإعلام الإيراني، رأى أن إعادة التفاوض حول المعاهدة التي تجاوزت المائة عام بـ85 سنة، ستؤدي إلى ضم أذربيجان الشمالية إلى إيران. أما نوفروزوف، فقال إن إعادة التفاوض بشأن المعاهدة من شأنها أن تجبر إيران على التنازل عن الأراضي في شمال غربي إيران إلى أذربيجان. وأضاف: «أحد الموقعين الرئيسين على المعاهدة، ولي عهد القاجار الأمير عباس ميرزا، كان من عائلة ناطقة باللغة التركية مع جذور تاريخية في أذربيجان»، وبرأيه، أن «معاهدة تركمانجي»، هي «معاهدة بين أذريين وليس مع الفرس من الناحية الشرعية».

إيران تعتقد أن أذربيجان، بتحريض من تركيا وإسرائيل، تريد أن تقلص إلى أدنى حد علاقاتها معها. ومن غير المرجح أن تعود العلاقات طبيعية بين البلدين؛ إذ، إضافة إلى التطورات الأخيرة، هناك خلافات كثيرة بينهما: النزاع حول الوضع القانوني لبحر قزوين، وحوادث الحدود، والنزاع حول المسائل التاريخية والثقافية، والتعاون العسكري بين باكو وتل أبيب.

إن لعبة ورقة الأقليات السائدة هذه الأيام، خطيرة جدا على إيران؛ إذ يكفي أن تتحرك أقلية حتى تتحرك الأقليات الأخرى لديها. وبالنسبة إلى أذربيجان، ليس من مصلحة السلطة هناك أن تعتقل الإسلاميين المناهضين للحكم فيها بتهمة أن إيران تحرضهم. إن اعتقالها لرجل الدين طالع باقرزاده أخيرا دفع بكثيرين من إسلاميين وسياسيين معارضين إلى التظاهر.

حكم الرئيس إلهامي علييف يتهمه خصومه بالفساد والقمع. وأي تحالف بين الإسلاميين والسياسيين المعارضين لا بد أن يقلق علييف قبل الانتخابات التي ستجري في فصل الخريف المقبل، الأمر الذي قد تستغله إيران.

لكن، مع الطروحات الإيرانية التي تتنقل من ضم طاجيكستان وأرمينيا إلى ضم أذربيجان، تجدر الإشارة إلى أن «الربيع العربي» سيغير حتما الحدود التي رسمتها «معاهدة سايكس - بيكو»، وأن التفكير بإعادة النظر في «معاهدة تركمانجي» لن يكون محصورا بين طهران وباكو.. هناك موسكو فلاديمير بوتين، وهناك أنقرة رجب طيب أردوغان.