بشار الأسد يرحب بـ«القاعدة»!

TT

في الخطاب الأخير لبشار الجعفري، مندوب الأسد لدى الأمم المتحدة، ركز على الخطر الأصولي في سوريا، وأن نظام بشار هو حامي حمى التسامح ومحارب الأصولية الأول.

هذه «الشنشنة» نعرفها من أخزم، كما يقول المثل العربي، وأخزم هنا ليس بشار الجعفري بل هو رئيسه بشار الآخر.. فهو قبل حديث مندوبه لدى الأمم المتحدة، أجرى حوارا تلفزيونيا مع فضائية «الإخبارية السورية» الموالية له، بعد غياب ملحوظ عن الإعلام العربي، وظهر بشار الأسد وكأنه يردد عبارة أرخميدس الشهيرة: «وجدتها.. وجدتها»، فمن يقاتل نظامي في سوريا إنما هو من يهدد عواصم ومدن الغرب بالإرهاب، وهم تنظيم القاعدة وتفرعاته، وهو ما يؤكد، يواصل بشار، صحة موقفنا، ودقة تصورنا للمشكلة منذ البداية، وهو أيضا ما يؤكد، كما قال نائب وزير خارجية سوريا، فيصل المقداد، أنه إذا سقط بشار فلا بقاء لسوريا الموحدة، وأن العرب والغرب «أغبياء» في مواصلة دعم الثوار، مع وجود «جبهة النصرة».

هذا «السخاء» في الحديث الإعلامي لرجال النظام الأسدي، والتركيز الملّح على ملمح الإرهاب، ونكهة «القاعدة»، واختزال الحراك السوري المعارض كله في هذه الجبهة، يؤكد أن النظام يجد نفسه الآن في موقع المبادرة ورد الفعل، بعد أن كان محشورا طيلة الفترة الماضية، وهذا ما يوضحه بجلاء حديث بشار الأسد للفضائية السورية حينما قال: «الوضع الآن أفضل من بداية الأزمة». في هذه المقابلة حمل بشار الغرب مسؤولية دعم «القاعدة» والإرهابيين في سوريا، قائلا إنه سيدفع ثمن هذا الدعم في قلب أوروبا وأميركا.

من الناحية «العملية» مفهومة هي مناورة النظام الأسدي، ومحاولة استغلال اللحظة. هو يريد القول، للغرب، إننا نقف مع الغرب في خندق واحد ضد الأصولية الإسلامية.

طبعا هذا حديث كاذب من الناحية العملية أيضا، فنظام بشار، رغم عدم التزامه الديني في الداخل السوري، نام مع ثعابين «القاعدة» على سرير واحد مرارا، وكلنا نتذكر كيف كانت سوريا بشار الأسد محطة استقبال وتفويج لمقاتلي «القاعدة» وأشباهها في العراق، وكلنا يتذكر من «خلق» مجموعة شاكر العبسي الأصولية المسلحة في لبنان، وغير ذلك كثير.

كلنا يتذكر الاستخدام الإيراني الماكر لـ«القاعدة» في معاركها الإقليمية والدولية، وكيف آوت إيران قيادات «القاعدة» لديها في مواقع تخضع للحرس الثوري، وكان آخر هؤلاء الكويتي سليمان بوغيث، ونحتاج إلى وقت لنعرف دور إيران في لعبة «جبهة النصرة» في سوريا.

هل معنى هذا أنه لا يوجد خطر إرهابي «قاعدي» أصولي في سوريا؟ لا، فهو خطر قائم وحقيقي، لكن المراد قوله هنا أن النظام الأسدي يناور هنا ولا يقول الحقيقة.

ما يحصل الآن في سوريا، سبق قول هذا الكلام مرارا قبل وجود «جبهة النصرة»، هو بسبب تخاذل المجتمع الدولي، منذ البداية، وعدم «التبكير» العربي بالدعم والاحتضان الواضح. تضاعف الجرح السوري، والتهب، لتقاعس الطبيب المداوي، فعاثت فيه الجراثيم التي يحبها نظام بشار ويعرفها جيدا، فـ«طباخ السم يذوقه» كما يقال.

هناك غضب شديد وإحباط أشد من «جهل» وبدائية السياسة الأميركية تجاه الأزمة السورية، ليس الآن، بل منذ البداية قبل سنتين. غضب لم يقتصر على قلة من العرب، بل سطع حتى لدى بعض صفوة الساسة في واشنطن، مثل السيناتور الجمهوري والمرشح الرئاسي السابق جون ماكين، الذي أبدى مؤخرا، وهو فعل ذلك من قبل كثيرا، غضبه من تقاعس إدارة أوباما عن إنهاء الأزمة السورية.

أكثر الناس ابتهاجا بنشاط «القاعدة»، حقيقيا كان أو مزيفا، مضخما أو دقيقا، هو بشار الأسد، وفلاديمير بوتين، ومعهم المرشد الذكي خامنئي، الراصد للمسرح من على تلة طهران.

[email protected]