الحزب التائه

TT

بين كشف صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن نية بنيامين نتنياهو، مطالبة نظيره رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون التزام «الحذر والتأني» قبل تزويد المعارضة السورية بالسلاح، وانكشاف مشاركة حزب الله (اللبناني) لقوات النظام السوري في محاربة المعارضة داخل سوريا.. سؤال يطرح نفسه بنفسه: هل أضاع حزب الله بوصلة الأعداء والأصدقاء ليحارب من يعتبر نتنياهو أن تسليحهم أخطر على إسرائيل مما هو على النظام السوري أم أنه يمر – ربما مرغما – بمرحلة تقديم أولوية وظيفته الإقليمية كذراع مسلحة للحرس الثوري الإيراني على واقعه اللبناني الذي يفترض فيه «النأي بالنفس» عن أي تدخل مباشر في أحداث سوريا؟

تبريرات تورط حزب الله في الأحداث السورية توحي بأن قيادة الحزب واجهت صعوبات في إقناع قاعدتها الحزبية بمبررات التدخل المسلح. وغير خاف أن هذه التبريرات لا تخلو من شكل من أشكال التقية – سواء في رواية القرى اللبنانية الحدودية التي يسكنها لبنانيون مؤيدون لحزب الله «تبرعوا» للدفاع عن ديارهم أم في رواية اضطرار سكان هذه القرى صد هجمات الثوار عليهم رغم أنهم ظلوا حتى الأمس القريب غير مستهدفين من قوات الجيش السوري الحر في أي من قراهم.

إذا صحت معلومات لجان التنسيق السورية، زج حزب الله بنحو 700 مسلح في الجبهات السورية لشد أزر نظام الرئيس بشار الأسد في محاولته اليائسة لقمع ثورة شعبه. والجدير ذكره في هذا السياق أن الحزب لا يتردد في نعي ضحاياه «بالشهداء» وإن كان يتجاهل، معظم الأحيان، ذكر مواقع «استشهادهم».

طبعا، بنظر من كان يوما حزبا ثوريا مقاوما، ما يجري في سوريا اليوم ليس أكثر من مؤامرة إرهابية للإطاحة بنظام اختصرت وطنيته بلقب «الممانع» لتصديه لسياسات إسرائيل ومخططات الولايات المتحدة في المنطقة.. رغم أنه لم يطبق دبلوماسية «الممانعة» إلا في منعه إطلاق رصاصة واحدة على إسرائيل طيلة الأربعين سنة من حكمه.

أنى حزب الله، المقاوم لثورة الشعب السوري عام 2013، من حزب الله المقاوم للاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 2000؟

لافت أنه على مدى الثلاث عشرة سنة التي انقضت على تحرير الجنوب اللبناني، أدخل الحزب تعديلات عدة على خطابه السياسي. إلا أنها لم تمس يوما جوهر واقعه كحزب أصولي مؤمن بولاية الفقيه.

وفيما آمل الكثير من اللبنانيين الحريصين على جمهور حزب الله وصورته أن يخرج الحزب بخطاب «لبناني» يفتح به باب الاندماج في الواقع التعددي اللبناني، ظلت «العلاقة» الإيرانية – السورية الخلفية العملية لتحركات الحزب والعنوان العريض لنشاطه السياسي.

ربما جنى تحرير الجنوب على مبرر وجود الحزب على «الساحة اللبنانية»، فما استتبعه هذا التحرير من انكفاء الحزب نحو العمل السياسي الداخلي أفقده إلى حد كبير رسالته القومية وزجه في متاهات زواريب السياسة اللبنانية الداخلية ومناوراتها الطائفية شبه اليومية وحوله، تدريجيا، من حزب مقاومة إسلامية إلى حزب مقاومة شيعية فحسب.

طغيان الطابع الشيعي على رسالة «المقاومة» ظهر جليا في سياق اجتياحه لبيروت الغربية (ذات الأكثرية السنية) وما رافقه من خطابات مذهبية وتهديدية. واليوم عاد الطابع نفسه ليتأكد من جديد في الانقسام القائم داخل جمهور الحزب بين معارضي القتال على جبهة القصير (شمال لبنان)، على اعتبارها معركة نظام بشار الأسد، ومؤيدي القتال على محور مقام السيدة زينب (قرب دمشق) على اعتباره واجبا دينيا.

عمليا، إذا كان حزب الله «المقاوم الإسلامي» قد انتهى عام 2000، ليخلفه عام 2008 (عام اجتياح بيروت الغربية) حزب الله «المقاوم الشيعي»، فإن تورط الحزب في الأحداث السورية يؤشر إلى تحوله إلى «لوبي شيعي مسلح» في المنطقة، لا أكثر ولا أقل.

مع ذلك، ورغم أن التزامات الحزب الإقليمية الوثيقة لا تسمح بتوقع تأقلمه مع القرن الحادي والعشرين، قد يجوز التساؤل: هل من الصعب على قيادته إطلاق عملية نقد ذاتي تعيد تحديد هوية الحزب من منطلق لبناني ووطني؟