إيران والقنبلة النووية: حجج غير مباشرة في واشنطن

TT

يتمثل النهج الذي تتبعه إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بشأن إيران، في أن الولايات المتحدة عازمة على منع الجمهورية الإسلامية من أن تكون قوة نووية، وأن «الاحتواء» ليس خيارا.

ومع ذلك، إذا ما نظرنا إلى آراء المحللين والمعلقين في واشنطن، سيتضح جليا أن الأفكار التي تهدف لمنع الطموحات النووية لطهران قد نفدت، وأن الرئيس أوباما يميل نحو الاحتواء باعتباره جوهر سياسته تجاه إيران. وعلى هذا الأساس، تتمثل مشكلة أوباما في كيفية تراجعه واعترافه بأنه كان مخطئا من دون أن يبدو أنه يقوم بذلك، وحتى تتم مساعدته في هذا الشأن، يتم نشر مجموعة من التعليقات والتحليلات لتقديم الحجج التي تؤيد سياسة الاحتواء.

وتتمثل الحجة الأساسية، التي غالبا ما يتم الاستشهاد بها، في أنه لا أحد يريد القيام بعمل عسكري لوقف المشروع النووي الإيراني، ناهيك عن تدميره.

وكما يعرف الجميع فإن الحرب عبارة عن مغامرة كبرى غير معروفة العواقب، وهذا هو السبب الذي جعل أوباما يعتمد على «العقوبات الموجهة» كبديل للقيام بعمل عسكري. ورغم أن هذه العقوبات لم تجبر إيران على تغيير موقفها، فإنها جعلت الاحتواء أسهل، لأن احتواء عدو ضعيف أسهل من احتواء عدو يستمد قوة كبيرة من اقتصاد سليم.

والهدف من ذلك هو إظهار الولايات المتحدة وكأنها تملك كافة الخيارات، بداية من شن غزو شامل على الجمهورية الإسلامية وحتى عدم القيام بأي شيء. والحجة لدعم هذا الادعاء سهلة للغاية، وهي أنه إذا قررت دولة تملك الموارد المالية والتكنولوجية التي تؤهلها لامتلاك قنبلة نووية، القيام بذلك، فلا يمكن لأحد منعها على الإطلاق.

وخلال نصف القرن الماضي، قررت دول كثيرة عدم استخدام مواردها في صنع ترسانة نووية، مثل اليابان وألمانيا اللتين تمتلك كل منهما التكنولوجيا والموارد المالية التي تمكنهما من صنع قنبلة نووية، في حين هناك بلدان أخرى كان لديها قدرات نووية ولكنها قررت التخلي عن ذلك لأسباب خاصة بها، مثل الأرجنتين والبرازيل وجنوب أفريقيا وأوكرانيا وكازاخستان.

وتم قصف القدرات النووية للعراق في عهد صدام حسين وسوريا في عهد بشار الأسد في مراحلها الأولى، في حين تخلت ليبيا عن مشروعها النووي نتيجة ضغوط ووعود الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

والآن، اعترفت ثمانية بلدان بامتلاكها ترسانة نووية، وهي الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا والهند وباكستان وإسرائيل، وهناك دولة تاسعة، وهي كوريا الشمالية التي تمتلك قدرات نووية أقل، وإن لم تكن أقل فتكا وتدميرا. وتعد كوريا الشمالية مثالا صارخا على فشل منع الدول التي لديها طموحات نووية من القيام بذلك.

وثمة 32 دولة لديها القدرات المالية والتكنولوجية التي تؤهلها لامتلاك ترسانة نووية، ولكنها لا تريد القيام بذلك. ورغم أن معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية قد تم التوقيع عليها من قبل 11 دولة فقط قبل 45 عاما من الآن، فإن هذه المعاهدة تفتخر الآن بأنها تضم جميع أعضاء الأمم المتحدة تقريبا، البالغ عددهم 194 دولة. ومع ذلك، لا تملك المعاهدة الآلية لمنع أي دولة موقعة عليها من إطلاق مشروع نووي ذي أهداف عسكرية. ويمكن لأي دولة موقعة على هذه المعاهدة أن تستمر في الخداع، مثلما تفعل إيران، أو الانسحاب من المعاهدة كما فعلت كوريا الشمالية.

وبعد التأكد من أنه لا توجد طريقة سهلة لمنع إيران من المضي قدما في طموحاتها النووية، يحاول مؤيدو سياسة الاحتواء إيجاد الحجج والمبررات المؤيدة لتقبل هذا الوضع السيئ، والتأكيد على المزايا الممكن الحصول عليها من التودد إلى إيران.

وتتمثل إحدى الحجج التي يسوقها اللوبي المؤيد للتودد إلى إيران، في أن طهران قد تمكن الولايات المتحدة من حرمان روسيا من قدرتها على استخدام صادراتها من النفط والغاز إلى الاتحاد الأوروبي كوسيلة لممارسة الضغط على الديمقراطيات الغربية.

ويمكن أن تصبح إيران أقصر وأرخص طريق لخطوط أنابيب النفط والغاز من حوض بحر قزوين إلى الأسواق العالمية. ومن شأن مثل هذا التطور أيضا أن يمنح القوى الغربية وسائل إضافية للتأثير على الصين التي تعتمد بشكل كبير على واردات الطاقة.

ويمكن ترجمة تلك الحجة الواهية إلى شيء من هذا القبيل: فلندع إيران، وهي العدو المعلن للديمقراطيات الغربية، تمتلك قنبلة نووية حتى يمكن استخدامها ضد روسيا، التي ترى في نفسها عدوا للولايات المتحدة، وضد الصين التي يفترض أنها المنافس الأقوى لواشنطن على الساحة العالمية.

وتكمن المعضلة في أن هذا السيناريو لن يتحقق إلا عندما تتحول إيران إلى حليف للديمقراطيات الغربية. وإذا ما حدث ذلك، فلماذا تكون إيران بحاجة إلى ترسانة نووية؟ ولماذا تقلق الديمقراطيات الغربية من امتلاكها لهذا السلاح؟

في الواقع، يسوق اللوبي المؤيد للتودد إلى إيران حججا لا معنى لها على أرض الواقع، حيث يروجون لحجة أخرى تقول إن نظام الخميني، مثل جماعة كيم في بيونغ يانغ، يقوم بتطوير أسلحة نووية لأنه يشعر بالخوف ويحتاج إلى الطمأنينة. ولكن ماذا يعني هذا في حقيقة الأمر؟ هذا يعني أنه لكي يشعر الطرف الآخر بالطمأنينة وعدم الخوف فعليك أن تسمح له بترويعك وحرمانك من بعض الطمأنينة التي تشعر بها أنت. في الحقيقة، يعد هذا بمثابة وصفة لتقاسم انعدام الأمن بدلا من تعزيز نظام للأمن المتبادل. وهل لو لم تعد إيران تشعر بعدم الأمان، بفضل قنبلتها النووية، ألن يكون من الطبيعي أن يشعر جيرانها بعدم الأمان؟ وهذه حجة أخرى تقودنا إلى طريق مسدود.

ويقول نائب الرئيس الأميركي جو بايدن: «المحادثات مع إيران لا يمكن أن تستمر إلى أجل غير مسمى». ولكن طالما أنه لم يتم تحديد مهلة محددة للمحادثات، فيمكنها الاستمرار إلى أجل غير مسمى.

وتطرق وزير الخارجية جون كيري إلى أمر واهٍ آخر، وهو أن «الوقت ينفد»، ولكن الشيء الوحيد الذي لن ينفد هو الوقت، وهناك دائما إشراقة شمس يوم جديد، وما يمكن أن ينفد هو أهمية أي محادثات مع إيران. وإذا ما تمكن نظام الخميني من امتلاك وسائل إنتاج ترسانة نووية، فلن يكون هناك أي أهمية للمحادثات الحالية التي تسعى لمنع إيران من الوصول إلى تلك النقطة.