خيط المعلومة الذي تبحث عنه

TT

لم تكن شرطة بوسطن الأميركية تعلم أن تلك المعلومة التي كتبها مريض في العناية الفائقة على قصاصة ورقية ستقود التحقيقات الفيدرالية إلى أحد المشتبه فيهم في تفجيرات ماراثون بوسطن الرياضي الذي أودى بحياة 3 أشخاص وجرح نحو 170 شخصا على الأقل، حيث اكتشفت الشرطة أن العبارة التي قال فيها المصاب «حقائب، ابحثوا عن الشاب الذي كان إلى جانبي»، هي بالفعل ما قاد الشرطة إلى تحليل أشرطة الفيديو ثم رؤية المشتبه فيهم وهم يضعون حقائبهم الملغمة على الأرض، فتوصل المحققون إلى خيوط الجريمة.

وكذلك الحال مع المكالمة الهاتفية التي قالت فيها سيدة إنها رأت آثار دماء على قاربها وهو ما قاد الشرطة للمتهم الشيشاني الثاني الذي ضبط مختبئا فيه وهو مضرجا في دمائه، ليسدل الستار على جريمة روعت بوسطن الآمنة لمدة أسبوع، عطلت فيه الشرطة كل المواصلات العامة ومظاهر الحياة سعيا نحو البحث عن خيط المعلومة الذي يقودهم إلى القبض على هؤلاء المتهمين، الذين قيل إنهم كانوا يحملون قنابل شديدة الانفجار كتلك التي زرعوها بين جماهير الماراثون.

ولحسن الحظ، فإن خيط المعلومات هذا ليس مقتصرا على الجرائم، فكثير من المعلومات المهمة من حولنا لو تتبعناها فسوف تسهم في إحداث تغيير كبير في قراراتنا الشخصية والوظيفية والعائلية، فكم من شخص تغير مجرى حياته أو مساره الوظيفي بسبب معلومة تناهت إلى أسماعه أو قرأها بمحض الصدفة.

ومصادر المعلومة المهمة لا نجدها دائما بين دفتي كتاب، فقد تأتينا من حاسوب أو هاتف أو تلفزيون أو مذياع أو أي حوار مفتوح نصغي إليه. ولذا، نجد أن في بيئات الأعمال يولي القادة والمديرون أهمية بالغة لما يسمى التغذية الرجعية Feedback أو رأي الناس في موضوع محدد. كما أن من مصادر المعلومات أصحاب الخبرات الذين نجالسهم وننسى أن نستبدل باستعراضنا الكلامي أمامهم أسئلة ذكية تخرج ما في جعبتهم من معلومات دفينة.

إن تجميع أكبر قدر ممكن من المعلومات يحسن آلية اتخاذ القرارات، وكلما كانت المعلومة دقيقة أسهم ذلك في اتخاذ قرارات رشيدة. وهذا ما يفسر لماذا حينما تستحوذ شركة على أخرى فإن الأولى تفتح للثانية «غرفة المعلومات» Data Room أو توقع معها اتفاقية عدم إفصاح سرية المعلومات، لأن هؤلاء يدركون أن للمعلومة قوة غير عادية يمكن أن تهدد كيان الشركة أو وجود دول بأكملها، وهذا ما يجعل الفضاء يشهد تسابقا محموما في إطلاق الصواريخ الاستكشافية والأقمار الصناعية ليكونوا أول من يعلم، أو كما تقول شبكة «سي إن إن» الإخبارية في شعارها (Be the First to Know)؛ أي كن أول من يعلم! وذلك لسبب بسيط وهو أننا نعيش في عصر يولي لسرعة الحصول على المعلومة اهتماما لا يقل أهمية عن المعلومة نفسها. فما فائدة المعلومة «البايتة» بعد أن يقع الفأس في الرأس، أو بعد أن طارت الطيور بأرزاقها كما نقول باللهجة الخليجية.

ولهذا، فإنني مع أن يعاقب كل موظف يتعمد إخفاء المعلومات عن زملائه أو مؤسسته، لأنه بتلك الأنانية يشيع ثقافة الكتمان التي يتشبث بها الموظف الضعيف الذي يرى في كل زميل له مشروع تهديد لمستقبله! ولا يعلم أن المشكلة فيه، لأن الأصل أن ما تتعلمه يجب أن يفوق ما تعلمه للناس حتى تبقى في دائرة المنافسة. وكم من منظمة وحكومة وشركة طواها النسيان، لأنها لم تجدد معلوماتها فصارت قراراتها تبنى على معلومات قديمة تؤخرها ولا تقدمها.

كاتب متخصص في الإدارة

[email protected]