قطبا اللعي

TT

كان من الأسهل حدوث نوع من التفاهم بين جون كيري وسيرغي لافروف، بعد تفجير كراسي العدائين في سباق بوسطن للمشاة. فـ«القاعدة» الشيشانية ليست في غروزني وحدها، بل أيضا في مدينة كبرى جامعات أميركا. فجأة يكتشف قطبا اللعي حول سوريا أن ثمة عدوا مشتركا يستخدم أرضا مشتركة، واحدة في مسارح موسكو، خلال الحفلات الخاصة بالأطفال، وواحدة في شوارع بوسطن، حيث لا يستطيع العداءون على كراسي متحركة، الهرب بعيدا عن متفجرات الطناجر.

بطريقة ما، ولكن في تأنٍ وهدوء، تذكر وزيرا خارجية أميركا وروسيا، شيئا ما؛ أن شيشانا أخرى تقوم في سوريا، فيما يركز فلاديمير بوتين على رياضة العضل، ويختبئ باراك أوباما خلف موهبته الأولى، وربما الوحيدة: بحر الألفاظ وعجز الفعل. بدت سياسة أميركا الخارجية مثل آخر الصفوف في سباق بوسطن، لاهثة، مرتبكة، وتشعر بالفارق العميق، بين الطاقة على الجري والتخلف عن السبَّاقين.

فيما كان جون كيري وسيرغي لافروف، لا يزالان يرغبان حول شيء يدعى اتفاق جنيف، كان عدد قتلى سوريا يصل ربما إلى المائة ألف، وعدد مشرَّديها، داخلا وخارجا، يزيد على ستة ملايين، وكان يعاد تدمير حمص وحلب، وكان نحو مليون عربي يبحثون عن ملجأ للمرة الرابعة أو الخامسة في حياتهم: العراقيون الذين هربوا من العراق والآن يعودون، والفلسطينيون الذين هجروا من فلسطين المحتلة، والآن يبحثون عن أماكن في مخيمات لبنان، المزدحمة بأجيال النزوح واليأس ومذابح العدو وتقاتل الأشقاء.

كان يقال «اليهودي التائه» عبر التاريخ، والآن يقال «العربي التائه» عبر البلدان. والرئيس السوري لا يَعِد أهله وشعبه بالسلام والمصالحة بل يُنفذ وعيده بتشريد أهل الجوار أيضا. وهو لا يرى انتصاره في نشر الهدوء في المدن، بل في انتشار «جبهة النصرة» ومعها مشروعها للعدالة والحرية والمساواة.

وقطبا اللعي يلعبان. وكل باب مفضٍ إلى حل هو باب مُغلق أو مُلغى: باب مجلس الأمن، وباب الوساطة الدولية، وباب «الحكومة المؤقتة»، وباب المجالس الموزعة على مايكروفونات وبرامج العالم. كان هناك أمل يدعى معاذ الخطيب، ومعاذ الخطيب حزم حقيبته وعاد إلى ذاته. لا مكان آخر له. كانت المعارضة مجموعة أصوات متسابقة، والآن أصبحت بلا صوت. عامان في التلفزيون وفي الهباء والبحث عن المواقع، فيما الشعب السوري لا يجد مستشفى لمصابيه ومدافن لقتلاه، والهبة الكبرى التي هبت له كانت «جهاد المناكحة» من تونس. ذات يوم تونس بورقيبة ومحمد بوعزيزي.. زمن اللعي.