لماذا لا يرحل المالكي؟

TT

ها هو رئيس الوزراء العراقي يسير على خطى جاره وحليفه الطائفي بشار الأسد، حيث تقوم قواته بقتل المتظاهرين العراقيين ثم يطالب بالحوار، محذرا من الطائفية و«القاعدة»، بعد أن كان المالكي يحاضر في الربيع العربي، ويعطي الدروس للبحرين والخليج، كما كان الأسد يفعل أيام الثورة المصرية، وشماتته بالرئيس السابق مبارك.

والحقيقة أن لا فارق بين المالكي والأسد؛ فكلاهما وجهان لعملة واحدة، حيث يحاولان التذاكي سياسيا، وكلاهما حليف لإيران، ويلعبان على ورقة الطائفية، ويريدان الحكم ولو بإراقة الدماء وتخويف الآخرين من الطائفية و«القاعدة» والمخططات الخارجية، وكأنهما، المالكي والأسد، يقرآن من كتاب واحد! ولذا فإن ما يحدث في العراق وسوريا الآن أمر طبيعي ونتيجة حتمية لأخطاء متراكمة من الإقصاء والكذب السياسي، واللعب بكل الأوراق، المحرم منها وغير المحرم.

وقد كان بمقدور المالكي نزع فتيل أزمة بلاده منذ فترة ليست بالقصيرة، وذلك بإيقاف الإقصاء، والامتناع عن تأجيج المكونات العراقية بعضها ضد بعض، أو الرحيل عن الحكم، لكن المالكي لم يفعل ذلك، لأنه مكبل بمشروعه الذي لا يسمح له بالتصرف كرجل دولة، وهو المشروع الطائفي الذي ترعاه إيران في العراق، ونتج عنه تحول المالكي بين عشية وضحاها إلى حليف للأسد!

إشكالية المالكي، وغيره من دول الربيع العربي، وتحديدا الإخوان المسلمين، أنهم لم يتعلموا الدرس الواضح في تاريخ منطقتنا الحديث، وهو أن الإقصاء أمر مستحيل، وغير قابل للتنفيذ مهما طال الترهيب والإقصاء الذي يمثل استنزافا لطاقات أي بلد، وقد جرب صدام حسين ذلك ولم يفلح، وجرب غيره وانتهوا إلى ما انتهوا إليه. وها هو المالكي يحاول اليوم تكرار ذلك بالعراق، ولن يفلح أيضا، لأن ما يصبو إليه أمر غير قابل للتنفيذ، مهما سعت إيران لجعل بغداد مسرحا لنفوذها في المنطقة، خصوصا بعد انتهاء دور نظام الأسد، الذي جرب أيضا خدمة إيران طوال أربعة عقود وها هو يصل لمرحلة النهاية المتوقعة.

وخطأ المالكي يكمن في أنه يريد تجريب المجرب بالمنطقة، وفي الوقت الضائع، وهذا عبث بحد ذاته، وخصوصا أن أمام إيران استحقاقات حاسمة، كما أن نظام الأسد الآن إلى أفول حتمي، فكيف سيكون بمقدور المالكي الصمود وحيدا بمشروعه الطائفي الإقصائي؟!

ومن هنا، فإن إشكالية العراق، منذ سقوط نظام صدام، ليست الطائفية القادمة من الخارج، كما يحاول المالكي تصويرها، بل إن إشكالية العراق الحقيقية هي في الطائفية الداخلية التي تتأجج بسبب تصرفات النظام العراقي نفسه، وهو ما تكرس على يد حكومة المالكي، أكثر من أي وقت مضى.

ولذا، فإن عنف الدولة وترهيبها لن يقدما إلا مزيدا من الخراب والتدمير بحق أرض الرافدين، ولذلك فإن أنجع الحلول للعراق الآن، من أجل نزع فتيل الانفجار الكبير، هو أن يبادر المالكي نفسه بتقديم استقالته والرحيل عن الحكم، وحينها سيكون ذلك أفضل ما قدمه المالكي للعراق طوال حياته.

[email protected]