حوار الأموات

TT

كنت أتابع البرنامج التلفزيوني من الـ«بي بي سي» الذي أعدته الخبيرة البريطانية جوان فلشر عن دنيا الأموات في مصر القديمة. استعرضت لنا كيف كانوا يتعاملون مع الأموات وكأنهم ما زالوا أحياء في عالمهم. إذا مات الزوج تبيع الزوجة كل ما عندها لتدفع للكاهن من أجل تحنيط زوجها. ثم تأتي له أرملته كل يوم بالخبز والفول والطعمية وكل ما يعز على الأحياء الآن في مصر الحصول عليه. تأتي له بالتفاح والمشمش ليأكل، والجعة ليشرب وينتشي. تراها تجيع نفسها لتطعم الميت. وكانت تكتب له على إناء فخاري كل ما استجد في البيت. تضعه له في قبره ليقرأ. تخاطبه وتطالبه وتؤنبه إذا لم تحصل على ما طلبت منه.

تقول له الحياة أصبحت صعبة ولا يوجد في البيت أي زيت أو دقيق أو خبز. وجارنا الشاب مسنو أصبح يضايقني. جاءني بأربعة أرغفة من الخبز ليغريني. فطردته. أريد منك أن تأتي وتؤدبه.

وتستمر المراسلات. فتأتيه بإناء خزفي آخر كتبت عليه «يا حبيبي لماذا لم تأت وتؤدب مسنو الشاب هذا؟ إنه ما زال يضايقني ويعاكسني وجاء هذه المرة بستة أرغفة من الخبز. ماذا ترى؟ هل آخذها منه»؟

تكتب للمومياء «يا حبيبي ذهبت للمعبد في طيبة وأعطيت الكاهن كمرسي الستة أرغفة من الخبز التي أخذتها من جارنا مسنو. فوعدني الكاهن بأن يصلي من أجلي ويبتهل للإله كوباما بأن يوفر لي الزيت والطحين. يا حبيبي أريدك أنت أيضا أن تصلي وتبتهل لكوباما، فلولاه لهلكنا جوعا. فكوباما الإله عنده كل ما في الدنيا من زيت وقمح. هذا يا حبيبي ما قاله لي الكاهن كمرسي. وأنا أصدق كل ما يقوله. فهناك يا حبيبي بعض الخبثاء الذين لا يصدقون كلامه».

وكانت هذه الزوجة الصالحة تجتمع مع صويحباتها في مدخل المقبرة فتتحدث كل واحدة منهن عما جاءت به لزوجها المومياء من طعام وشراب وبقيت هي وأطفالها من دون أكل، لا زيت ولا دقيق ولا خل ولا ملح ولا أي شيء في البيت. أعطته كله للمومياء زوجها ووضعته له في قبره. وتقول ستوتة كيف أنها حملت له لعبة الطاولة أيضا ليتسلى بها مع أصحابه من الموميائية في مقبرتهم. فمن المهم جدا أن ينعم الموميائية بموت رغيد.

وفي قحف فخاري مكسور استطاع الآثاريون من الخبراء بالحروف الهيروغليفية أن يقرأوا سطورا من رسالة أخرى كتبتها له ووضعتها بجانب تابوت زوجها المومياء. تخاطبه وتناقشه وتهيب به أن يحل لها كل مشاكلها. فالمومياء هو الذي يعيش بين الآلهة ويكلمهم ويطلب منهم ويردون عليه. فلولا المومياء لهلكت مصر.

وعلى قحف إبريق من الفخار وجدوه في التراب قرأوا آخر رسالة منها تخبره بأنها الآن حامل بولدها الثامن، وتعتذر ألا تستطيع أن تأتيه بأي شيء بعد اليوم، فلا الكاهن ولا الإله كوباما جاءاها بأي طعام.

سمعت كل ذلك فضحكت. ولكن ما الداعي لأن أضحك؟