العراق على شفا الهاوية مرة أخرى

TT

دخلت الأوضاع في العراق منعطفا خطيرا جدا، حيث تذكرنا الأحداث التي شهدتها الأيام الأخيرة بتلك التي أدت إلى اندلاع الحرب الأهلية في عام 2006 وأسفرت عن الحاجة إلى زيادة أعداد القوات الأميركية، ووضع استراتيجية جديدة وقتال عنيف جدا. حقيقة الأمر، أن الأماكن التي اندلعت فيها أعمال العنف معروفة بأنها تشكل خطرا مخيفا، فقد كانت هذه الأماكن معقلا لتنظيم القاعدة في العراق في بداية زيادة عدد القوات، قبل انتشار قوات الصحوة التي شجعت على المصالحة بين العرب السنة والحكومة التي يقودها الشيعة في بغداد.

جاءت الأحداث الأخيرة متزامنة مع تصاعد وتيرة الهجمات المروعة التي ينفذها تنظيم القاعدة في العراق، حيث شهدت البلاد الشهر الماضي أكبر الخسائر قياسا إلى السنوات الماضية، على خلفية تنامي النزاع السياسي الخطير، هذه التطورات تتطلب اهتماما واضحا ودعما من المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة.في البداية، جاء التقدم بالتوصل إلى التوافق والتعددية السياسية عام 2007 و2008. ومع تحسن الأوضاع الأمنية خلال فترة زيادة عدد القوات الأميركية، اختار زعماء الشيعة والسنة حل خلافاتهم عبر التسوية بدلا من العنف، وأنقذ التزامهم بالنتائج الصعبة التي تمخضت عنها الانتخابات البرلمانية عام 2010، حيث لم يفز حزب واحد بصورة جلية في هذه الانتخابات. وتجاوز التداعيات التي تمخضت العام الماضي عن اعتقال حراس نائب رئيس الجمهورية، طارق الهاشمي، لاتهامهم بالإرهاب، فضلا عن محاكمته غيابيا وإصدار حكم بالإعدام ضده.ورغم حالة الغليان التي تسببت فيها القضايا السياسية المحلية في المناطق السنية بالبلاد على مدى الأشهر الأربعة الماضية، مارست كل من قوات الأمن العراقية والمتظاهرين ضبط النفس بصورة كبيرة. كما اتخذ زعماء السنة خطوات ملموسة للحفاظ على سلمية المظاهرات من خلال تفتيش المتظاهرين. ورغم مقتل ثمانية متظاهرين سنة في الفلوجة في يناير (كانون الثاني)، تمكن كلا الجانبين من التهدئة.كل ذلك تغير الأسبوع الماضي. وبدأ ذلك في بلدة الحويجة قرب كركوك، حيث قالت قوات الأمن العراقية إن المتظاهرين السنة يؤوون مسلحين قتلوا جنودا في إحدى نقاط التفتيش التابعة للجيش العراقي. ونفى المحتجون وجود أي مسلحين في معسكرهم ورفضوا تسليم أي منهم. وفي 23 أبريل (نيسان)، بدأت قوات الأمن بالدخول إلى مخيمات المتظاهرين، وأعقب ذلك اشتباك عنيف، أسفر عن مقتل وجرح العشرات، دفع شيوخ العرب السنة، الذين كانوا يؤكدون ضرورة ضبط النفس، إلى الدعوة إلى الحرب. وتقول بعض التقارير إن القبائل تجمع المتمردين السابقين وتستعد للقتال. وقد حصدت حوادث العنف أكثر من 40 شخصا قتلوا في يوم واحد في الموصل وحدها. هذه الأحداث كانت لها تداعيات خطيرة على الأمن والاستقرار في العراق. وبدأ تنظيم القاعدة في العراق بإعادة تنظيم صفوفه في المناطق التي كلف تطهيرها القوات الأميركية والعراقية خسائر هائلة على مدى السنوات الخمس الماضية. من جانبها، تحاول «جبهة النصرة»، الاستحواذ على المقاومة العلمانية ضد الرئيس السوري بشار الأسد. هذه التطورات لن تؤدي إلى تهديد المكاسب الهشة التي تحققت منذ عام 2007 وفقط، بل ستؤدي أيضا إلى عودة قوى التطرف المسلح في قلب العالم العربي الذي يحترق بالفعل في سوريا.

ينبغي لقادة البلاد نزع فتيل الأزمة وتهدئة مخاوف من الذين يشعرون بالظلم. وإحدى هذه المظالم الجديدة، على وجه الخصوص، تأخير انتخابات مجالس المحافظات في الأنبار ونينوى، التي يجب التعامل معها سريعا. وقد صوت معظم العراقيين لقادة المحافظات في 20 أبريل (نيسان)، ولكن الأسباب الأمنية أخرت التصويت في الأنبار ونينوى حتى 18 مايو (أيار)، ومن ثم تم تأجيلها حتى 4 يوليو (تموز)، مما أدى إلى تفاقم الشعور بالتهميش الطائفي، لذا ينبغي أن تجري تلك الانتخابات في المحدد لها.

لم تكن الاحتجاجات تتعلق بتأجيل الانتخابات وفقط، فقد طالب المحتجون أيضا بإصلاحات مهمة لسياسات الاعتقال في العراق وطريقة تطبيق قوانين اجتثاث «البعث». نحن ندرك أن رئيس الوزراء نوري المالكي قدم تنازلات بشأن هذه القضية الأخيرة، ونتطلع إلى دعم من الأحزاب السياسية الأخرى مع المؤسسات الشيعية. وقبل كل شيء، لا بد للشعب العراقي وقادته أن يتذكروا الالتزام الذي توصلوا إليه عام 2007 لنبذ العنف الطائفي والمضي قدما لبناء عراق أفضل لجميع العراقيين.

ينبغي لأصدقاء العراق دعم هذا الجهد، فقد حدث التقدم في العراق عندما شجعت قوى التحالف المجتمعات السنية للعمل مع الحكومة التي لا تزال تفتقر إلى الثقة. ومن الضروري أيضا إعادة إحياء الروح التي شجعت على التقدم نحو الاستقرار، وهذا حيوي جدا. ومن ثم، كانت هناك مؤشرات جيدة في الأيام الأخيرة من جانب سفير الولايات المتحدة في بغداد وبعثة الأمم المتحدة، تجسدت في دعواتهم إلى التهدئة وجلوس جميع الأطراف إلى الحوار، وتذكيرهم بما يمكن أن يفقدوه وهو (العراق الجديد الذي دفع له العراقيون والولايات المتحدة الكثير لبنائه).

ورغم سحب الولايات المتحدة قواتها من العراق، فإنها تحتفظ بنفوذ كبير فيه، فهي التي اضطلعت بتجهيز وتدريب القوات العراقية، وقادة البلاد يحتاجون ويتوقعون مساعدتنا. وقد أظهر وزير الخارجية جون كيري بادرة طيبة عندما جعل العراق جزءا من أول زيارة له إلى الخارج، وأنه يجب أن يعود لوضعه، للإشارة إلى أهمية العراق على المدى الطويل بالنسبة إلى الولايات المتحدة وللاستقرار الإقليمي، وينبغي له إشراك جميع قادة العراق. الخطوة الأخرى، ستكون في عقد اجتماع على مستوى الوزراء للجنة المشتركة التي تأسست بموجب اتفاقية إطار العمل الاستراتيجي.

* ريان كروكر سفير الولايات المتحدة السابق لدى العراق

* خدمة «واشنطن بوست»