«النصرة».. ونصر الله.. فخار!

TT

الخطاب الأخير الذي ألقاه الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله ظهر فيه بحالة مختلفة جدا عن خطاباته السابقة منذ انطلاق الثورة السورية على نظام بشار الأسد الدموي.. بدا الرجل في الخطاب مرتبكا ومترددا فاقدا للكاريزما التي عرف بها.. اختفت ابتسامة الواثق المدافع عن القضية الحقة، وبدا مهزوزا متلعثما وكأنه بذلك يكشف عن قضية يستحيل الدفاع عنها بصدق وأمانة واقتناع. كان في الخطاب تناقضات واضحة مع مواقفه السابقة من ثورات الربيع العربي، وهو الذي كان من كبار المرحبين والمهللين لها ومن أهم المنكرين لمن يحاول ترويج صفة «المؤامرة» و«التخطيط الخارجي» لها وسلب إرادة الشعوب فيها، ويتهم من يقول بذلك بأنه مضلل ومجرم..

والآن ها هو يؤكد أن سوريا والمنطقة تتعرض لمؤامرة خارجية تحاك لفكفكة المنطقة برمتها، والأدهى حينما يصر الرجل على أنه هو وأصدقاء سوريا سيقفون سدا أمام سقوط سوريا الذي يدبر له الآخرون، بينما واقع الأمر أنه لا أحد يتحدث عن سقوط أو إسقاط سوريا، ولكن حتما الكل يتحدث عن إسقاط الأسد، وفارق شاسع بين الاثنين. وهو يكرر الخطاب الموتور لنظام الأسد الذي ربط عقائديا بين الاثنين فتحولت «سوريا» إلى «سوريا الأسد»، وكأن الموضوع بات يشبه تحويل ونقل ملكية بلد بأكمله إلى عائلة تحكم بالنار والحديد، مستعملا كل الوسائل والعتاد لتكريس ذلك من صواريخ، وسلاح كيماوي، وطائرات، ودبابات، لإبادة تاريخ وحاضر ومستقبل البلاد، فقط لأجل البقاء في السلطة والإبقاء على نظامه.

حسن نصر الله اختار المعركة الخطأ وراهن على الحصان الخطأ.. ضحى بكل رصيده الشعبي وتاريخه المقاوم لأجل أيقونة من أيقونات الظلم والاستبداد والخداع والجريمة السياسية في العالم اليوم.. إنه موقف لا يمكن الدفاع عنه لا باسم العروبة ولا الدين ولا الأعراف ولا الإنسانية. ولذلك، فمن الممكن تفهم ارتباك وتردد وتلعثم وهزة الرجل في خطابه الأخير.

حسن نصر الله لم يعد واجهة الدفاع الإعلامية عن الأسد كما كان في الشهور الماضية عبر لقاءاته وندواته وخطبه الرنانة، ولكن تحول إلى جزء من الحل العسكري الموتور الذي بناه نظام الأسد المجرم بحق شعبه. ولم ينكر حسن نصر الله ذلك، بل كان يجادل حول أرقام الذين قتلوا من قواته. ولكنه بعد اعترافه الأول والصريح بقتال قواته في الداخل السوري، ارتبك وهو يفسر أسباب وجودهم هناك. فتارة كان سبب وجودهم هناك هو الدفاع عن مقام السيدة زينب بدمشق، وتارة أخرى كان لأجل الدفاع عن المواطنين اللبنانيين الموجودين في سوريا نفسها. وهي أسباب متناقضة نوعا ما، لأن المناطق الجغرافية التي يوجد فيها مقاتلو حزب الله لا علاقة لها بما يقول الرجل أبدا.

حزب الله وضع كل الرصيد الذي لديه على ورقة نظام الأسد، معتقدا يقينا أن إسرائيل وإيران وروسيا والصين ستبقي نظام بشار الأسد قائما لأجل مصالح هذه الدول التي يهمها، كل على حدة، استمرار الأسد، وهو رهان منطقي، ولكنه غير واقعي، خصوصا مع استمرار مقاومة الشعب السوري لهذا النظام المجرم.

وعلى الصعيد اللبناني، فقد نصر الله موضوعية حجته القديمة كحركة مقاومة يوجه سلاحها «فقط» للعدو الإسرائيلي، لأن هذا الطرح لم يعد قابلا للتصريح؛ بل أصبح أشبه بمادة مضحكة.

سفينة بشار الأسد الغارقة تسحب معها للقاع كل من اختار الإبحار معها. لا حسرة على من اختار ذلك ولا أسف.

إذا كان العالم يركز على مخاطر تطرف «حركة النصرة» الدموية، وهي كذلك، فإن اختيار حسن نصر الله وحزبه الدموي تأييد نظام الأسد، لا يقل خطورة.