أمطار خير واعتبار

TT

حالة «مذهلة» من الأمطار الغزيرة جدا عايشها السعوديون ولا يزالون، وشاهدوا منسوب الأمطار يرتفع ويهطل بغزارة وبشكل قوي متسببا في وفيات وإصابات وتلفيات في المباني والمواقع العامة على مساحة جغرافية واسعة وعلى فترة زمنية متواصلة. ولعل الأمر يقتضي تمعنا عميقا في التقلبات الحادة التي حصلت وربطها بمشاهد سابقة لإدراك حقيقة «جديدة»؛ أن هذا هو «العادي الجديد». الأمطار الغزيرة جدا التي أصابت المدينة الساحلية جدة لسنتين متتاليتين وكانت حديث الناس للحجم المهول للأمطار ومشاهد الخسائر التي حدثت في الأرواح والممتلكات والمباني، كانت جرس الإنذار وناقوس الخطر الذي يقول إن ثمة «تغييرا» مناخيا حادا يتكون وليس مجرد ظاهرة أو استثناء وقتي سيمر، وها هي الأمطار الحالية تأتي بشكل قوي ومتواصل لتؤكد ذلك الأمر.

هذا التغيير الحاد في المناخ من المفروض أن ينعكس بشكل واضح وجلي على العديد من أوجه الحياة والتجهيزات في السعودية، فحتما لا بد أن يكون هناك إعادة نظر متكاملة في المواصفات والمعايير والمقاييس والشروط في إنشاءات الطرق والجسور والأنفاق عموما وشبكات تصريف الأمطار والسيول والخطط العمرانية في توسع المدن، وكذلك الأمر يبدو مطلوبا لتطوير أداء قطاع الدفاع المدني بحيث يكون تدريبه وتركيز معداته لهذه الحالات أكبر، وأن تكون جزءا من روتين إعداده بدلا من أن تكون كارثية وطارئة. والمدن الرئيسة بحاجة ماسة لأماكن محصنة لأن تكون مراكز غوث ولجوء مؤقت مجهزة لمقاومة السيول والأمطار، وكذلك نظم النقل العام القادمة لا بد أن يراعى فيها تلك المسألة ولا تبنى المواصفات على واقع قديم لا يراعي التغير المناخي الحاصل.

دول كثيرة تقدر في أنظمتها المستحدثة التغيرات المناخية الطارئة عليها وتعكسها على أنظمة وقوانين وشروط ومقاييس.. فمثلا دولة صناعية واقتصادية مهمة مثل تشيلي في قارة أميركا الجنوبية تحولت المراعي الجنوبية فيها إلى مركز خطير لزيادة أشعة الشمس الحارقة المتسربة من ثقب الأوزون المتسعة رقعته هناك فأدت إلى أمراض خطيرة في العين وسرطان الجلد وحساسيات غريبة، كل ذلك أدى إلى مراجعة جادة في أنظمة وقوانين العمل والصحة لاستيعاب تداعيات هذا الأمر المهم.

السعودية اليوم تتعرض لتداعيات الاحتباس الحراري والذي ينعكس بشكل أساسي على المناخ الجوي ولكنه حتما لا يقتصر على ذلك لأن المناخ له انعكاسات على طبائع الناس وعلى صحتهم وعلى زراعتهم وغير ذلك من محافل الحياة. دول كثيرة حول العالم تتعرض مناخاتها إلى تغيرات حادة.. القارة الأوروبية بأسرها مضطرة لإعادة التكيف مع سيول وفيضانات حادة وغير موسمية وانخفاض وارتفاع شديدين في درجات الحرارة، وكذلك الأمر في الهند والصين وأستراليا وأميركا الشمالية.

المشهد السعودي الذي تم تناقل صوره عبر الصحف والإعلام الجديد في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة وضح عجائب الطبيعة؛ شلالات في وسط الصحاري وثلوج في الجبال بالطائف في شهر الربيع الذي سيسجل في ذاكرة من حضره بأنه نقلة مناخية لا يمكن تجاهلها.

واليوم يبدو واضحا أن الجهاز المعني بقياس الأرصاد والحال الطقسي بالسعودية بحاجة لإعادة تغيير أسلوب تعاطيه مع المعلومات الجوية لتكون فيه وسائل تحذير بإشارات وعلامات قابلة للتواصل تلفزيونيا وإذاعيا وتليفونيا ورقميا وإلكترونيا وبشتى الطرق حتى يتسنى للجميع التفاعل المطلوب مع ما قد يقع بدلا من الترقب وملء الحديث بالإشاعات والتنجيم الذي يولد مناخا قلقا لا يفيد. أسبوع المناخ المتقلب في السعودية من المفروض أن يكون فرصة كبيرة للاستفادة لما هو آت.