قلوب الجماهير وخانة الديانة!!

TT

لا تزال فتوى تحريم المعايدة على الأقباط، التي أطلقها مفتي جماعة الإخوان تثير الاستهجان بين قطاع كبير من المصريين. وفي نفس الوقت تثر الكثير من الأسئلة المسكوت عنها، من بينها لماذا لم نر إلا في القليل النادر الأقباط المصريين متألقين في الكثير من مجالات الفن. سوف أضرب لكم مثلا بالغناء، هل لاحظتم أنه لم تقدم مصر مطربا قبطيا حقق نجومية طاغية طوال التاريخ.

أتذكر مثلا أن المطرب هاني شاكر في بداية مشواره الفني مطلع السبعينات كان يؤكد في أحاديثه حرصه على أداء الصلوات الخمس لأن البعض أخافه بأنه سوف يفقد شعبيته لو صدقوا شائعة أنه مسيحي. الفنان محمد صبحي منذ 15 عاما لاحقته تلك الحكاية وهي أن اسمه الحقيقي مجدي، وأنه مسيحي، لكن والده أطلق عليه محمد لأن كل الأطفال الذين أنجبهم قبله قد ماتوا.. مجموعة من التخاريف صاحبت بطل مسرحية «تخاريف» وضعت صبحي في حرج بالغ وهو يكذبها حتى لا يجرح مشاعر الأقباط!!

هل تتأثر شعبية الفنان بسبب ديانته؟ هناك بعض المظاهر لا تجد لها تفسيرا منطقيا، لو أنك مثلا سألت لماذا لم يظهر «جان» فتى أول مسيحي الديانة طوال تاريخ الدراما المصرية؟ لو استسلمنا للتفسير الطائفي الذي يقول إن المصريين يرفضون الفنان بسبب ديانته سنجد أن على المقابل قسطا وافرا من نجوم الكوميديا أقباط بل إن الضحك في مصر لو قررت أن تحيله إلى اسم فنان واحد يعبر عنه ويصبح عنوانه لن تجد سوى نجيب الريحاني المسيحي الكاثوليكي.

الحياة الفنية قائمة طوال العهود على أن البقاء للأفضل ومن يحقق إنجازا فنيا أعلى تفتح له القلوب بعيدا عن ديانته!!

لا أنكر أن هناك من يعتقد أن الدين قد يشكل حاجزا بينه وبين مشاعر الناس.. أتذكر ملحنا شهيرا قال لي إن الدولة لم تكن تسند له تقديم أغنيات وأوبريتات أكتوبر في زمن مبارك لأنه مسيحي، وكانوا يفضلون عليه الملحن المسلم. قلت له يوجد عشرات من الملحنين المسلمين ولم تكلفهم الدولة بأي أغنيات في أكتوبر أو غيره، وكان بعضهم ليس لديه مانع أن ينافق مبارك ويغني بل ويرقص له لو استلزم الأمر.. أنت موهوب ولكنه بالإضافة إلى ذلك يعرف الشفرة للوصول إلى صاحب القرار!!

تذكرت أثناء إقامة مهرجان الإسكندرية السينمائي قبل عامين جمعتني جلسة مع يحيى الفخراني حكى لي أنه في مسلسل «زيزينا» وبعد اعتذار آثار الحكيم عن أداء الجزء الثاني قرر هو ومخرج المسلسل جمال عبد الحميد والكاتب أسامة أنور عكاشة أن الأنسب للدور هي هالة صدقي وفوجئوا بأن الإنتاج يعترض.. لم يجد المسؤول سوى حجة أن هالة مسيحية والمسلسل يعرض في رمضان.. وأصر صناع المسلسل على هالة رافضين تلك الحجة البليدة، وهو موقف أراه يقع تحت طائلة الفساد أكثر من كونه تعبيرا عن الانحياز الطائفي.

وحكى لي مرة مذيع الراديو أسامة منير أنه رسب في الامتحان كمطرب عندما تقدم للجنة الاختبار في الإذاعة المصرية قبل نحو 20 عاما لأن اسمه الثلاثي أسامة منير جريس، وكتب بعدها هذا الزجل يقول في مطلعه «إن كنت محمد أو جريس من حقي أركب الأتوبيس»، إلا أن أسامة حقق بعد ذلك نجاحا استثنائيا كمذيع متخصص في حل المشكلات العاطفية وركب صاروخ النجاح. نعم بين الحين والآخر نقرأ أو نسمع أو نشاهد تصريحا طائفيا يحظر السلام أو الأكل أو التهنئة للمسيحيين إلا أن قلوب الناس عندما تحب فنانا لا تسأله أولا أنت مسلم أم مسيحي؟!