هل هي مفاعلات نووية خارج التحكم؟

TT

كنا قلقين من تهديد المشروع النووي الإيراني لأمن الخليج بإرادة من الساسة الإيرانيين.. اليوم أصبحنا نواجه خطر المشروع نفسه بإرادة الطبيعة.

والطبيعة جهة غير قابلة للتفاوض معها، ولا يمكن ردعها أو فرض عقوبات عليها. لذلك فمنطقة الخليج أمست مهددة من جهتين؛ التقدم في المشروع النووي الإيراني حتى لحظة إنتاج قنبلة نووية، وهو طريق تمشي فيه طهران بخطى ثابتة وإن كانت بطيئة. والتهديد الآخر أن المفاعلات النووية الإيرانية تقع على أرض زلزالية، أي أننا نواجه نوايا الطبيعة التي لا نعلم عنها سوى القليل.

هناك معلومات عامة لا يعرفها كثير من الخليجيين، من أهمها أن منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر لا يمكن من الناحية النظرية حدوث تسونامي فيها، أي موجات عاتية يخلفها الزلزال، كما حصل في اليابان في عام 2011، وتضرر منه مفاعل فوكوشيما؛ لأن هذا النوع من التدفق المائي يتطلب بحارا عميقة ومفتوحة وليس خليجا ضحلا شبه مغلق، ولم يعرف حدوث موجات تسونامي في هذه المنطقة منذ عام 525 قبل الميلاد. كما أن منطقة الجزيرة العربية في الأساس ذات نشاط زلزالي محدود، خاصة في منطقتي الوسط والشرق.

هذا بالنسبة للكلام المطمئن، أما ما يثير المخاوف فإنه رغم انخفاض النشاط الزلزالي في منطقة الخليج العربي، فإن قربها الجغرافي من المناطق النشطة زلزاليا في جبال زاجروس في إيران يضعنا في دائرة الاستهداف نفسها. وهذا يجعلنا نفترض أننا نتعامل مع دولة شفافة واضحة ومسؤولة، تكشف تفاصيل مفاعلاتها النووية لوكالة الطاقة الذرية، وتستعين بها في الفحص والاستشارة الأمنية. بكل أسف إيران ليست كذلك، بل إنها دولة مغضوب عليها دوليا؛ لأنها تعمل خلف السواتر.

ومن ناحية أخرى، مع العلم بأن مفاعل «بوشهر» تم تصميمه من قبل الألمان والروس ليقاوم هزات أرضية بقوة 7.5 درجة، وهي أقصى قوة قد تصلها زلازل المنطقة، إلا أنه لا أحد من القيادات الإيرانية اليوم سيسمح للألمان بفحص المنشأة، أو غيرها من المنشآت، للتأكد من سلامتها وعمرها الافتراضي، أما الروس فلا يراهم الخليجيون أهلا للثقة بعد مواقفهم المتزمتة غير العادلة من الموضوع السوري.

مفاعل «بوشهر» لم يصبه أذى هذه المرة؛ لأن بؤرة الزلزال كانت بعيدة عنه نسبيا، ولكن إن اقتربت هذه البؤرة من موقع المفاعل فستكون النتائج مختلفة، ربما لن يدمر، ولكن بكل تأكيد سيتعرض للأذى.

ومما يزيد الوضع سوءا أن مياه الخليج الضحلة تجري بها الرياح سريعا إلى الشواطئ الخليجية، ولا سمح الله إن تلوثت بالإشعاعات النووية، فستحمل التلوث إلى الشواطئ خلال أقل من ساعة.

هذه المعلومات العلمية وإن كانت تبدو مخيفة، فإن التقليل من خطورتها بشكل كبير يعتمد على إجراءات السلامة التي يفترض بحكومات دول الخليج أن تتخذها، وهي هنا تأخذ شكلين؛ سياسيا ولوجيستيا.. الأول: أن تستغل هذه الدول حصول الزلزال في زيادة الضغط الدولي على ملف إيران النووي؛ لأن الخوف الإسرائيلي الذي يحفز الولايات المتحدة لمعاقبة إيران لم يعد اليوم يتصدر أسباب الحذر، بل إن التهديد الحقيقي من المفاعلات الإيرانية كونها خارج إطار تحكم أهلها، فلا هم يستطيعون درء خطرها ولا الادعاء بأنهم يملكون وحدهم التلويح بها؛ لأن يد الطبيعة تدخلت.

الأمر الثاني: أن تسارع دول الخليج بفرض قواعد جديدة للبناء على الساحل الشرقي، بحيث تكون مواصفات الأبنية، سواء السكنية والتجارية، تحقق معايير الإنشاءات المقاومة للزلازل، خاصة أن الساحل الخليجي يضم أحياء سكنية، وناطحات سحب، وجزرا مائية، ومنشآت بتروكيميائية، ومن حسن الحظ أن مثل هذه المواصفات لا تزيد في كلفة البناء على 1 في المائة في أقصى الحالات. إضافة إلى إنشاء مركز طوارئ، والاستعانة بالدول ذات الخبرة لتدريب كوادر تستطيع التعامل مع الكوارث الطبيعية، وأهمها الزلازل. ولنقارن اليايان بإندونيسيا، الأولى تعرضت خلال القرن الماضي إلى 150 ضربة تسونامي، لم تتعرض للخسائر سوى من 15 في المائة منها، وفي كل مرة كانت تأخذ دروسا جديدة تقلل من خسارتها في المرات التي تليها، أما في إندونيسيا فكانت 50 في المائة من التسونامي الأربعة والثلاثين التي تعرضت لها - سببا في خسائر فادحة.

بمعنى أوضح، على دول الخليج أن تضع في اعتبارها أنها تدخل في نطاق تأثير زلازل جارتها، ولا تنظر إلى ما حصل على أنه صدفة عابرة.

تبقى قضية كبرى لا مفر من الاعتراف بها، وهي افتقار عامة الخليجيين للثقافة العلمية، والتثقيف هو أحد أهم أسباب تخفيف أو تكثيف أي كارثة طبيعية. وهذا ما أكد عليه البروفسور عبد الله العمري أستاذ الجيوفيزياء في جامعة الملك سعود وخبير الزلازل المعروف، أثناء حديثي معه وتزويده لي بإجابات حول تفاصيل الواقعة، وهو الذي أعلن تنبؤه بحصول الزلزال الأخير من خلال قناة «العربية» قبل حصوله بأسبوع.

التوعية جزء مهم لا يقل أهمية عن بناء محطات الرصد وتقوية الأبنية، والتثقيف بأمر الزلازل ووسائل تقليل آثارها لا يعني أننا في خطر، بل إن الجهل بها يعني المخاطرة.

[email protected]