التقنية والتعليم

TT

التقنية وسيلة أم غاية؟ سؤال محوري ومهم، ومع التطور الحاصل في مجالها وكثرة التحذير والترحيب منها وبها، وكيف أنها تحولت من عنصر لمساعدة الإنسان على تحسين حياته وأعماله إلى عنصر مسيطر ومتحكم بشكل مقلق ومخيف، يشير ويستشهد الكثيرون بهيمنة وقوة وكبر مكانة شركة مثل «غوغل» وقدراتها، فهي تتحول تدريجيا إلى العقل البديل والذاكرة الإنسانية الأخرى ويصبح الاعتماد على محركها وأدواتها البحثية هو العنصر الأساسي في «التفكير» و«اتخاذ القرار» و«المشورة» وبذلك ستكون هذه الشركة ومثيلاتها هي الأهم والأخطر والأدق تأثيرا على قطاعات مختلفة مستقبلا، وأهم هذه القطاعات المقصودة والمعنية هو بلا شك القطاع التعليمي المهم بكل فئاته. قطاع التعليم يتفاعل بشكل مذهل مع التقنية، فتدريجيا تختفي السبورة والطباشير والقلم والورقة لمصلحة اللوحة الذكية ومن ثم الحاسب الآلي، والآن سيكون الدور على الألواح الذكية التي ستغني الطالب والمعلم والمدارس ووزارات التربية والتعليم والمعارف عن الكتب والمناهج المطبوعة على الورق، موفرة بالتالي مئات الملايين من العملات المحلية ومخفضة على الطلبة الأحمال الثقيلة من الكتب والأعباء التي يحملونها على ظهورهم دائما. وهذا التطور التقني سيغير (أو يلغي) دور المكتبات العامة التي عرفت كجزء أساسي من المدن ومن الدور الدراسية بشتى أحجامها، وكذلك ستتغير مناهج المجاميع والدروس الخصوصية وحتما أيضا سيكون للامتحانات والاختبارات بشتى أشكالها منظر مغاير وجديد لأن الاعتماد سيكون على التعريف عن الطالب ببصمة العين وبصمة الإبهام والصوت للتأكد من سلامة الإجابة وعدم الغش.

إننا مقدمون على مرحلة جديدة من التعليم الإلكتروني؛ تعليم فيه المنهج بطل ولكن التقنية ستكون أهم بطل وسيكون مدهشا ومثيرا للاهتمام مراقبة تغير مفهوم دور المعلم وإعادة فهمه وبالتالي إعادة تأهيله وتدريبه ليقوم بدور جديد جدا، عليه أن يكون قناة توصيل بين المادة الممنهجة والتقنية لأن دوره سيكون تربويا أكثر منه تعليميا، وسيكون من المهم أن يتابع الأثر الاجتماعي والثقافي والفكري على الطلبة بشكل مباشر وفوري وعبر الزمن ومع مرور الوقت.

سيكون المستقبل التعليمي مبنيا على التركيز الخاص على قدرات الطالب الاستثنائية والمهارات والمزايا الإبداعية وكذلك إمكانية الاستفادة القصوى من ذلك في سوق عمل متنامية لصالح رأس المال البشري الذي يستند إلى القدرات الاستثنائية بشكل رئيسي ومهم.

تطور التقنية سيضع ضغوطا مهولة على الهيئات والمؤسسات التعليمية أن تتطور وتتغير وتصلح نفسها وإذا لم تتمكن من الاستغلال الصحيح لذلك ستكون التكلفة باهظة والفجوة الحاصلة أكبر وهي ضريبة مهولة لن تتمكن أجيال بأكملها من تحمل تكلفتها.

التقنية هي وسيلة، وهي فرصة واعدة في آن لو أحسن الاستعداد لها واستغلالها بشكل جيد وفعال وهذا ما فعلته دول مثل الهند وسنغافورة وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا وفنلندا التي جميعها طوعت التقنية الحديثة والعصرية لصناعة تعليم مبهر ومتطور واستثنائي.